كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



النّعمة

نجد كلمة " النّعمة " في الكتاب المقدّس أكثر من 160 مرّة , منها 128 في العهد الجديد . قيل عن الله أنّه " إله كلّ نعْمةٍ " ( 1 بط 5 : 10 ) , قيل أيضاً أنّ النّعمة والحق صارا بالرّبِّ يسوع المسيح ( يو 1 : 17 ) والذي قيل عنه أنّهُ مملوءاً نعمةً ( يو 1 : 14 ) . نعمة الرب يسوع المسيح الّتي  " نعرفها " ( 2 كو 8 : 9 ) . يُعتبر الرّوح القدس " روح النّعمة " ( عب 10 : 29 ) لذلك فإنّ الأقانيم الإلهيّة الثّلاثة مرتبطة معاً بقوّة النّعمة . الحقيقة , أنّ النّعمة تسلّمْناها من المسيح ( رو 5 : 15 ) ومن الله الآب ( 2 كو 1 : 12  ) . هي شهادة على أُلوهيّة المسيح . تَظْهَر النّعمة بكونها سجِيَّة إلهيّة  ما هي النّعمة إذاً ؟

تُتَرجم الكلمة اليونانيّة " charis" لكلمة " نعمة " , والّتي تعني : فضل بدون إستحقاق أو مقابل . إنّها تترجم في الكتاب بالكلمات التّالية :

1) نعمة               -           ( رو 1 : 5 ؛ أف 2 : 5 ؛ إلخ.. )

2) حُظوة             -           ( ت . ي . : لو 1 : 30 ؛ 2 : 52 ؛ أع 2 : 47 )

3) منّة                 -           ( أع 24 : 27 ؛ 25 : 9 )

4) إحسان            -           ( 1 كو 16 : 3 )

5) فرحاً               -           ( فلمون7 , لو 1 : 14 )

6) فضل               -           ( 1 بط 2 : 20 ؛ أنظر حاشية الكتاب المشوهد )

7) الخدمة              -           ( ت. ي. : 2 كو 8 : 4 )

8) الشّكر             -           ( 1كو15 : 57 ؛ 2كو2 : 14 ؛ 8 :16 ؛ 9 : 15 )

من هنا نستنتج غنى المعاني المكنونة في هذه الكلمة .

 

1) تعريف النّعمة

بينما من المستحيل للإنسان التّعريف الشّامل لماهيّة غنى نعمة الله , نجد في بعض التّقديرات العون لتقييم الأمور المختصّة بها .

" النّعمة , هبة الله , فضل من غير إستحقاق , عطاء جزيل تجاه خطاة غير مُسْتحقِّين " .

" النّعمة هي أمر موجود بالله , والّتي بقلب عمل الفداء , حُنو الله النّازل من فوق , تنازل الله من أعالي مجده , ليلمس ويُشبع فقرنا وإعوازنا " .

" النّعمة هي ممارسة المحبّة تجاه من هم أقلّ شأناً من المُحِب . أو الّذين يستحقُّون أمراً آخر . المحبّة الحانية المتنازلة والصّابرة , المحبّة المتسامحة " ( ماكلرين ) .

" الله محبّة , ولكن عندما يهب هذه المحبّة للخطاة المذنبين , غير الأنقياء والمتمرّدين , عندها تكون نعمة ".

" النّعمة هي إظهار لمحبّة الله وفضله بينما لا نستحقّ شيء إلا الغضب والدّينونة . إنّها إلتزام الله تجاهنا بمحبّة لا متناهية " .

" المحبّة التي تنظر إلى فوق هي : عبادة وسجود , المحبّة الّتي بنفس المستوى هي الأحشاء والرّأفة , أمّا المحبّة النّازلة من فوق فهي : نعمة "

" النّعمة هي طاقة . النّعمة هي الطّاقة الحبيّة . النّعمة هي تقديم الطّاقة الحبيّة لخدمة غير المحبوبين"( دكتور جويت ) .

" النّعمة هي محبّة حقّة , ولكنّها محبّة للخلائق . الخلائق الّذين لا يستحقُّون محبّتهُ , ولذلك كل ما فعله لأجلنا في المسيح , وكل ما أظهر لنا من مشيئته الحسنة يسمّى نعمة " ( ألكسندر واييت ) .

" نعمة الله هي محبّته المجّانيّة وفضل لا نستحقّه أُعطيَ للبشر من خلال المسيح " ( ف. ف. بروس ) .

" الفكرة هي عن عطيّة لا يستحقّها ألإنسان على الإطلاق , ولا يستطيع أن يشتريها , والّتي تُعطى له بكرم وسخاء وبمحبّة قلب الله " ( باركلي)

تعتبر الجّمل السّابقة بنّاءة ومساعدة , ولكن بكلمة الله هناك تعريف خاص للنّعمة  أُنظر : ( تيطس 2 : 11 ؛ أف 2 : 7 ؛ رو 5 : 8 ) . يتعامل الله بالنّعمة , من داخل نفسه , نحو الّذين لا يستحقُّون فضله بل غضبه . تعود النّعمة لعمل الله من خلال المسيح بإبعاد خطيّة الإنسان وتقديم الخلاص كعطيّة مجّانيّة . النّعمة توهب من الله بالمجّان دون إستحقاق بشري . إن كان هناك أيّ عمل للتّعويض أو للدّفع مقابل فهذه لن تكون فيما بعد نعمة . عندما نتكلّم عن نعمة الله تجاه الإنسان , فإنّ موضوع الإستحسان البشري يُستبعد كُلِّيَّة من المشهد . إنّها هبة الله المجّانيّة بإستبعاد لأيّ إستحقاق بشري فالنّعمة مجّانيّة , تلقائيّة , محبّة الله دون إستحقاق للإنسان الخاطيء .

2) نقيض النّعمة

 تظهر النّعمة بالعهد الجديد بالنّقيض والتّباين مع الأمور التّالية :

ألإباحيّة

إنّها فكرة رفض أيّ ضوابط على حياة المؤمن , بالإدّعاء أنّ الله خلّص الإنسان مجّاناً بالنّعمة دون أيّ إستحقاق , فغير مطلوب من الإنسان العيش حياة القداسة . ولكن الأمر ليس كذلك . أوّل شيء تُعلِّمُهً النّعمة للخاطيء الضّائع بعد إعطائه الخلاص أن يُنكِرَ " الفجور والشّهوات العالميّة " أن يحيا " بالتّعقُّل والبِر والتّقْوى في العالم الحاضر "  ( تيطس 2 : 12 ) .عليه إذاً العيش " بالتّعقُّل " مع ضبط نفسي داخلي. النّعمة الّتي تُخلِّص هي تُعلِّم السّيطرة على الطّبع واللّسان أي  " التّعقُّل ". وتعلّمه العيش " بالبر " مع علاقته مع الآخرين . وأن يعيش " بالتّقوى " بعلاقته مع العالم الّذي فوقهُ .

ب) الطّقسيّة

ظهرت هذه الفكرة مبكّرا من تاريخ الكنيسة في شكلها الأوّل : خضوع المؤمن للطّقوس اللاويّة ( أُنظر : أع 15 : 1  ). امّا شكلها الحالي تجسّدت بالفكرة القائلة : أنّ الفرائض المسيحيّة ضروريّة للخلاص .

ج) ألأعمال

يجب عدم الخلط بين النّعمة والأعمال .

ألأعمال هي سُلَّم نضعه بأنفسنا ونسعى لإرتقائه بالأوجاع . أمّا النّعمة فهي مصعَد , يهبه لنا الله , والذي فيه نحن ندخل بالإيمان , وكل القوّة الرّافعة هي من الله وحدهُ . الخلاص بالأعمال هو من إختيار الفرّيسي . الخلاص بالنّعمة هو رجاء العشّار ( لو 18 : 10 – 14  ) . لا يمكن الخلط بين ألإثنين . لأنّه " إن كان بالنّعمة فليْسَ بعدُ بالأعمال , وإلاّ فليست النّعمة بعد نعمة . وإن كان بالأعمال فليس بعد نعمة , وإلاّ فالعمل لا يكون بعد عملاً " ( رو 11 : 6 ) .

د) النّاموس

" ويتقدّم أمامه بروح إيليّا وقوّته , ليرُدًّ قلوب الآباء إلى الأبناء , والعصاة إلى فكر الأبرار , لكي يهيّء للرب شعباً مُسْتَعِدّاً " ( لو 1 : 17 )  فالنّعمة تميّز إذاً العصر الحاضر , كما ميّز النّاموس التّدبير من سينا حتّى الجلجثة . هذا لا يعني أنّ النّاموس لم يكن موجوداً قبل سينا , أو لم تكن هناك إظهارات للنّعمة قبل مجيء المسيح . تحريم الله لثمر شجرة معرفة الخير والشّر كان ناموساً ( تك 2 : 17 ) , أمّا سؤال الله عن الخاطئ ( وإمرأته ) وإلباسهما هو تجلّي لنعمة الله ( 3: 21 ) . النّاموس والنّعمة كإظهار لطرق الله وتعاملاته موجودين دائماً  , ولكن النّاموس كقانون للحياة , أُعطِيَ بموسى , وميّز الفترة من سينا حتّى الجلجثة , تماماً كالنّعمة الّتي سيطرت منذ الجلجثة والّتي ستستمِر حتّى الإختطاف .

جاء معلّمون إلى غلاطية وأرادوا " إرجاع عقارب السّاعة إلى الوراء " . ساعين للخلط بين النِّعمة والنّاموس – التّبرير جُزئيّاً بالنّعمة  وجزئيّاً بالأعمال ( غل 3 : 2 , 3  ؛ 1 : 6 – 8 ) . لا يمكن خلط الإثنين سويّة بهذه الطّريقة .

النّاموس يفرض عملاً لنعمله أمّا النّعمة فتُخبر عن عملٍ قد تمَّ .

النّاموس يُظهر الخطيّة ( رو 3 : 20 ) ,  أمّا النّعمة فتظهر الخلاص ( تيطس 2 : 11 – 13 )

النّاموس خدمة قصاص ( رو 3 : 19 ), أمّا النّعمة خدمة غفران ( أف 1 : 7 ) .

النّاموس هو المحرّمات التي وضعها الله ومتطلّباته ( خر 20 : 1 - 17 ) أمّا النّعمة فهي مصالحة وهبة ( 2 كو 5 : 20  ) .

النّاموس لعنة ( غل 3 : 10 ) أمّا النّعمة فهي فداء من تلك الّلعنة ( 3: 13 ).

النّاموس يقتل ( رو 7 : 9 , 11 ) أمّا النّعمة فتعطي حياة ( يو 10 : 10 )

النّاموس يُغلق كل فم أمام الله , النّعمة تفتح كل فم لحمده .

النّاموس يجعل مسافة بعيدة بين الله والإنسان (خر 20 : 18 , 19 ) النّعمة تُقرّب الخاطيء إلى الله ( أف 2 : 13 ) .

النّاموس يقول إفعل هذا فتحيا ( لو 10 : 26 , 28 ) , النّعمة تقول آمن فتحيا ( يو 5 : 24 ) .

يضع النّاموس الأمور الّتي يجب أن يعملها الإنسان , أمّا الإنجيل فإنّه يعطينا ما قد صنع الله لأجلنا .

النّاموس يدين تماماً أفضل إنسان ( في 3 : 4 – 9 ) . النّعمة تُبرّر مجّاناً أسوأ البشر ( لو 23 : 43 ؛ رو 5 : 8 ؛ 1 كو 6 : 9 , 11 ) .

3) تقدير النّعمة

ما الّذي تعطيه النّعمة والّتي تدفع المؤمن إلى الهتاف فرحاً :

لولا النّعمة ما كنت أشوفك

ولا كان ليَّ مكان في سماك

النّعمة تُعطي خلاصاً  ( تيطس 2 : 11 - 13 ) وتبريراً ( 3 : 7 ) . تُعطينا إقامةً ( رو 5 : 2)   ووِرْثَةَ ( أع 20 : 32 ) إنّها تضمن القبول ( أف 1 : 6 , 7 ) ,  وتساعدنا عندما نحتاجها ( عب 4 : 16 ) , وتقوِّينا ( 2 كو 12 : 9 ) هي سر نجاح الخدمة ( 1 كو 15 : 10 ) وقوّة السّير غير الملوم ( 2 كو 1 : 12 ) المُحرِّرَة من سلطة الخطيّة ( رو 6 : 14 ) ووسيلة المصالحة ( 2 تس 2 : 16 ) . ألإرشاد نُسِبَ للنّعمة ( تيطس 2 : 12,11)

في الماضي , أعطتنا النّعمة الخلاص , ( تيطس 2 : 11 , أف 2 : 5 , 8 )

في الحاضر , تعد النّعمة بالكفاية , ( 2 كو 12 : 9 ) .

في المستقبل , تعد النّعمة باللّطف , ( أف 2 : 7 ) . تُظهر الكنيسة للبشر والملائكة , في الدّهور الآتية , غنى نعمته الفائق .

يرى بولس , في المستقبل , دهور آتية كثيرة , في كلٍّ منها يريد الله بأن تُعَرف نعمته الّتي تخطّت كل الحدود في غناها , ولطفه من نحونا في المسيح , أنّه رائع , حتّى تُظهر في كلّ الدُّهور وبكُلِّ خليقة الله العاقلة , مشيرة إلى مدى إتّساع النّعمة التّي فيه .