كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



معرفة مشيئة الله

" كيف أعرفُ مشيئة الله لحياتي ؟ " قد يكون أهم سؤال للمسيحي المكرّس . من المحتمل أن يكون أكثر الأسئلة المحيّرة : " كيف نكتشف هذه المشيئة , آخذين بعين الإعتبار الحياة المعقّدة الّتي نعيشها ؟ " , وإذا تمّ إكتشاف هذه المشيئة , قد يكون أكثر الأسئلة الحسّاسة : " كيف ننجز هذه المشيئة , باُعتبار ضعف أجسادنا , والتّأثير القوي للقوى المعانده الخارجيّة ؟ " .

 

إختبار جميل

أوّلاً , علينا تصحيح بعض الأمور غير المفهومة تماماً وشائعة جدّاً . مشيئة الله ليست صعبة , مملّة أو تعسُّفيَّة . أن تكون على طريق مشيئة الله يعني إختباراً جميلاً وإحضارنا الى فرح أعمال محبّته الّتي لا يُنطقُ بها , حكمة لا نهائيّة وبر أبدي , وجعل الحياة على الأرض متناغمة بين السّعادة والقداسة , حيث تكون هي " أيّام السّماء على الأرض " , لنستمتع بها الآن . الفرح الأعظم , والفائدة القصوى موجودة بالعيش حسب مشيئة الله , وليس حسب مشيئات الجسد أو الآخرين . فإنّ مشيئة الله هي بالحقيقة " كاملة صالحة مرضيّة " .

كيف نعرف مشيئة الله

كيف , إذاً , أستطيع معرفة مشيئة الله في, ولأجل حياتي ؟ يبدو أنّ هناك ثلاثة ضرورات : 1) الرّغبة في , 2) تمييز , 3) والإصرار على مشيئتهِ . الرّغبة في (عمل) مشيئة الله يظهر في المثال – الشّخص ؛ تمييز تلك المشيئة ظاهر في مبادئ كلمته والإصرار على مشيئته يُنْجَز بقوّة الرُّوح القدس .

لم تصل أيُّ حيوة الى ملئها , حتّى يتمّم الإنسان رغبته في مشيئة الله . إنّ هذه الرّغبة نراها في المثال : والمثال هو في شخص . لقد عرَّف الله مشيئته لحياة الإنسان مرَّه والى الأبد , من خلال المباديء والممارسة في حياة الإنسان الكامل – الرب يسوع المسيح . لقد كان هو الوحيد الّذي إستطاع أن يقول لله " يا رب قد أتيت لأفعل مشيئتك" و " طعامي أن أعمل مشيئة الّذي أرسلني وأُتمِّم عملهُ " ( يو 4 : 34 )  . إن تجلِّي ذلك تمّ بالكامل في رجل النّاصرة – الطّفل المقدّس , العبد الكامل والإبن المكرّس . لذلك , فإنّ حياة ذاك هي تجلّي لمشيئة الله بالكامل من أجلي . لقد كان لديه دافع واحد فقط , وهذا كان سر كل شيء . كلّ أفعاله , أقواله  وأفكاره كانت مدفوعة بهذه الرّغبة " أن أفعل مشيئتك يا إلهي .." ( مز 40 : 8 ) .

هل إذاً , أُريد حقّاً أن أعرف مشيئة الله من أجلي ؟ ماذا يجب أن أعمل ؟

أوّلاً , وأهم شيء , يجب أن أمتحن نفسي بدقّة ودوافعي الخفيّة . ما هي رغبة قلبي العميقة ؟ إنّ مثابرتنا على هذا الإمتحان بالعمق المطلوب , كفيل بأن يُقرِّر العديد من الأمور لأجلي . كما سبق وقلنا , فإنّ مشيئة الله قد عُرِفَت من خلال شخص الرب يسوع يسوع المسيح . نعمل حسناً , إذا ما قارنّا حياتنا بمرآة حياته هو , عندها سوف نجد أنّ مشيئة الله ليست بالضّرورة السّبيل الأهون , بل عادةً هو طريق الآلام . نرى ربّنا يسوع في جثسيماني , نسمع بكائه ونشعر بحزنهِ , رغم

كل ذلك , فإنّ رغبته بعمل مشيئة الله لم تتغيّر " قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» " ( لو 22 : 42 ) . نفس مشيئة الله تلك قد تقودنا , ليس الى جثسيماني أو الجلجثة - والّتي , والحق يقال , أنّها فريدة من نوعها – بل إلى سبيل الآلام , ومن خلال ألألام ننبذ كل ما يقدّمه لنا العالم .التّضحية , إنكار النَّفس , إنكار حياة الذّات , والموت معه . فقط الرّغبة بعمل مشيئة الله تقودنا الى إنكار كهذا وتعطينا القدرة على ذلك .

 

الرّغبة في عمل مشيئته

أوّلاً , إذاً , كيف يمكن إدراك تلك الرّغبة ؟

أ) بالرُّؤيا .كالّتي أتى بها بولس الرّسول . كان بولس , لعظم شخصه وشخصيَّته , وتكريسه التّام , بعد المسيح , المثل الأعظم الموضوع أمام الكنيسة . لقد كانت رؤية الله , في المسيح المُقام , والّتي وضعت الرّسول بولس على طريق مشيئة الله ," «يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟»فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ»." ( أع 9 : 6 ) .

ب) بالإستسلام . الإستسلام لمشيئة الله مع كل تضميناتها , " فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ...وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ " ( رو 21 : 1 , 2 ).

إنّنا مدعوّوين لتقديم أجسادنا لأتمام مشيئته, والمكان الوحيد الّذي يمكن به تتميم ذلك هو بالجّلْجُثة . هناك قدّم ربّنا يسوع جسده لأجلنا , وهناك أيضاً نقدّم نحن أجسادنا إليهِ . كانت ذبيحته للموت . أمّا ذبيحتنا فهي ذبيحة حيّة . فمن الآن وصاعداً , تقييم حياتنا يجب أن يقدّر هناك . إنّ نفس مشيئة الله الّتي قادت ربّنا المبارك للجُّلجُثة , سوف تقودنا لنفس ذلك التّكريس . النّتيجة سوف تكون

تغيير حياة , المظهر , الفكر والدّوافع . وكما برهنّا أنّ المشيئة في عملها تجاه الآخرين : صالحة , مرضيّة وكاملة . علينا ممارسة تلك الرّغبة تجاه مشيئة الله .

 

تمييز مشيئة الله

ثانياً , كيف علينا إحراز ذلك التّمييز لمشيئة الله ؟ إنّنا نعني بهذا : كيف , رغم تعقيدات الحياة , إختلاف وجهات النّظر , المواصفات المتعدّدة , الأفكار المتضاربة , والنّصائح المتناقضة – كيف أستطيع أن أتأكّد بدون أدنى شك , بأنّي أتّبع خطّة الله من أجل حياتي , والّتي فيها أنال رضى الله الكامل , بأنّي أعمل ما يسرَّه تماماً ؟

الآن , يقودنا الله بواسطة المباديء , وليس بالقوانين . قد يحبّذ النّاس وضع قوانين . ولكن الله يرغب بتعاون ذكي من ناحيتنا . لقد أعطانا الله ثلاثة أمور لهدايتنا في الطّريق :

1) معرفة مشيئة الله , تُعرَف بالعقل من خلال كلمته " مِنْ أجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أيْضاً، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ انْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ " ( كو 1 : 9 ) .

2) فهم مشيئته " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ " ( أف 5 : 17 ) .وذلك عندما نسلك بالرُّوح .

3) التّأكيد الكامل على مشيئته . نحصل عليها من خلال تعاملات وعناية الله المنعمة .

 

1) معرفة مشيئته .تأتي الى عقل المؤمن من خلال الكتب . لا يُعطي الله إرشاده حيث لا تُدرّس كلمته بوقار وتعبُّد . إنّه من غير الّلائق أن تفتح الكتاب بصورة عشوائيّة من أجل أخذ امر بكونه تلميح من الله على الكلمات الّتي أوّل ما تقع أعيننا عليها . علينا أن نكون طُلاب حكماء  لمبادئه وفكره . على عقولنا أن

تتشبّع من كلمته , كي لا نسير بحسب " الإرشاد الخاطف " , بل بالرّوح والتّيقُّظ للأُمور الّتي أعطانا إيّاها من خلال أنبيائه ورسله في الكتاب .

 

2) فهم مشيئته . والّتي يجب علينا أن نحصل عليها من خلال الرّوح القدس . هذا يؤكّد أنّ مشيئة الله قد فُهِمَت . فهم كهذا هو روحي لا عقلي . هو ثمر السّلوك بالرّوح – شركة مع الرّوح القدس , وليس إستشارة آخرين – شيوخ أو أصدقاء . المشورة والنّصيحة القديرة للشِّيوخ والأصدقاء يجب أن تمتحن بقيادة الرُّوح القدس لأرواحنا . في هذه الشّركة , نمتحن على ضوء الكتب الإنطباعات المختلفة الّتي قد نحصل عليها , والأحكام الّتي يصدرها الآخرين ؛ إنّنا نقدّر كل الناصر والمساند المعينة ؛ غير مستندين على فهمنا نحن , لأنّ ذلك لن يكون به أيّ وداعة .

 

3) التّأكيد الكامل لمشيئته . منع الرّسول من التّبشير في آسيّا , أو العبور الى بثينيّة , وفي وسط شكوكه أعطاه الرب رؤيا ( أع 16 : 6 – 10 ) هكذا نحن , عندما تحضرنا الظُّروف الى خط معيّن , مع ما قد تعلّمناه من الكلمة , وبشركة الرُّوح القدس , نصل إلى التّأكيد الكامل . يجب ألاّ نقاوم الباب المغلق إطلاقاً , أو نسيّر خططنا بالقوّة إذا توقّفتْ . علينا إنتظار الرب دائماً . يجب أن تتوافق تعاملات الله وعنايته في ظروفنا , مع المبدئين السّابقين , أي : معرفتنا من الكتب وفهمنا من خلال تأمُّلاتنا الرُّوحيَّة . لذلك , عندنا كلمة الله والرّوح القدس ليقودانا لإعتبار ظروف العناية والتّعامل الإلهيّين ؛ وعندها , وفوق كل شيء , يجب إحضار كل تلك الأفكار إلى المقادس , لنتمكّن من سماع صوت الله  بمعزل  عن   أصوات 

الأرض المتصارعة أو إختلاف الأفكار الإنسانيّة .

إنّ ذاك الّذي يعرف قيادة الله في المكان السرِّي , يستطيع ويقدر على الإنتظار , حتّى يختبر قيادة الرّوح . يشاء الله بإعطاء إرشاداً واضحاً لجميع أولئك الّذين ينتظرونه .

 

الثّبات في مشيئة الله

" لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ " ( عب 10 : 36 ) , " لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضاً الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لِإِرَادَةِ اللهِ" ( 1 بط 4 : 2 ) , " لِذَلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضاً مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَه " ( 2 كو 5 : 9 ) . المباديء وليس القوانين , هي ما نحتاجها عندما نريد إمتحان ما هي ( وما ليس هي ) مشيئة الله .فكما أرشدت مريم العبيد في عشاء العرس بقانا :" ومهما (كل ) قال لكم فاُفعلوه " , هكذا نحن عندنا أربعة " كل "  مسجّلة بوضوح كمباديء إمتحان :

1) " وافعلوا كل شيء لمجد الله " ( 1 كو 10 : 31 ) .

2) " وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ اوْ فِعْلٍ، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ " ( كو 3 : 17 ) .

3) " وَكُلُّ  مَا فَعَلْتُمْ فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ " ( كو 3 : 23 ).

4) " وكل ما ليس من الإيمان فهو خطيّة " ( رو 14 : 23 ) .

على هذه المباديء أن تعتبر بكونها إمتحانات عامّة ( كل ) وشخصيّة . ما يفعله الآخرين هو شأنهم .هناك مبدأ آخر : الأمور المشكوك فيها , خطيّة للمؤمن . الصّعوبة العظمى تختص بأمرين :  كونها غير مؤذية بحد ذاتها أو مرتبطة ومتغاضية عن الآخرين . علينا أن نقرّر الأمور لأنفسنا . علينا عدم الذّهاب وراء ما يفعله أو يقوله الآخرين .وبصورة مشابه , علينا عدم ربط قراراتنا الشّخصيَّة بالآخرين , إلا إذا مارسنا حرِّيَّتنا الشّخصيَّة والرُّوحيَّة , ففي مثل هذه الإعتبارات علينا تسفيه شخصيَّتنا , لكي لا يتوقّف نموَّنا الرّوحي . لنتذكّر أنّ إختار الحريّة مقرون بثلاثة إمتحانات :

1) " ليست كل الأشياء توافق , حتّى المحلّل منها " ( 1 كو 6 : 12 ؛ 10 : 33 )

2) " لا يتسلّط عليّ شيء " , حتّى المحلّل (6 : 12) .

3) " ليست كل الأشياء تبني " , وإن كانت محلّلة ( 10 : 23 ) .

لأنّ ما قد أفعله يكون مسموحاًً , ولكن هل هو يساعد ؟ هل يأتي بالنّفع لحياتي؟ أم هل هو سبب عثرة للآخرين ؟