كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



المعرفة المسبقة , الإختيار والتّعيين

أمور قليلة تُعطي ثباتاً عظيماً لإيمان المؤمن أكثر من الكشف عن عمل الله كل شيئ حسب رأي مشيئته  (أف 1 : 11 ) . سنحاول بهذا المقال الرّبط بين سلطة الله المطلقة وبين تعامله مع الإنسان الخاطيء . يشدّد العهد الجديد بأنّ المبادرة للخلاص متعلّقة بالله . التّعليم المختَص بسلطان الله المطلق في الخلاص يؤثّر ويتخلّل تعليم العهد الجديد كلّه , بل وأكثر ممّا تقترحه الكلمات الثّلاثة المذكورة بالعنوان . أُنظر مثلاً : يوحنا 6 : 37 , 44 , 45 ؛ وأعمال 13 : 48 . إنّ الله لم يتأثّر بمشيئة الخلاص بأيِّ إستحْقاق , مرئي أم مخفي , بقابلي خلاصه . تتجذّر المعرفة المسبقة , الإختيار والتّعيين بثبات محبّته الّتي لا تُسْبَر غورها . الله له دوافعه الخاصّة (تثنية 7 : 7 , 8 ) .  لم تكن محبّته بدافع من أمور جيّدة ومستحبّة فينا , ولكنّها تنبع تلقائيّاً من عمق طبيعته (1 يو 4 : 8 - 10 ) .

تمييز بين المصطلحات

المعرفة المسبقة , الإختيار والتّعيين كلّها تختص بمظاهر مشيئة الله المتعلّقة بجنسنا الخاطيء , والّذي أشركنا بخلاصه في المسيح طواعيّةً . ليست هذه التّعابير إذاً مجرّد مترادفات . ألإختيار يتميّز عن التّعيين (أف : 4, 5), والتّعيين عن المعرفة المسبقة (رومية 8 : 29 ) , والمعرفة المسبقة من الإختيار (1 بط 1 : 2 ) . المعرفة المسبقة متعلّقة بالأشخاص , وتحضر الى المركز مقاصد مشيئة الله من خلاص الإنسان .

ألإختيار يرجع للإختيار العملي والإنتخاب للأشخاص الّذين سبق وعرفهم . يهتم  التّعيين بهدف ومجد تجاه أولئك الّذين تتحرّك نحوهم إختيار ومعرفة الله المسبقة.

المعرفة المسبقة

يؤكّد الإسم prognosis  اليوناني , المذكور في العهد الجديد مرّتين فقط , المعرفة اللاحقة أو السّابقة الفعل المتطابق يذكر خمس مرّات . إستعمل بطريقة غير لاهوتيّة في (أع 26 : 5 , 2 بط 3 : 17 ) . وفي العلاقة مع معرفة الله المسبقة , يستعمل بطرس الفعل بالعلاقة مع المسيح بوظيفته الكفّاريَّة (1 بط 1 : 20 ) ويستعمل الإسم مع آلام المسيح (أع 2 : 23) رابطاً إيّاه مع مشيئة الله . إستعمل بولس مرّة الفعل عن إسرائيل (رو 11 : 2 ) , المرّتين ألأُخريين تختص بالمؤمن . الفعل مذكور أيضاً في (رو 8 : 29 ) بمواجهة الظّروف ألأرضيّة الصّعبة , حيث يؤكّد القديس بولس لأهل رومية على عناية وسيادة الله المطلقة , فيذكّرهم بأنّهم موضوع معرفة الله المسبقة وتعيينه , قابلي الدّعوة والتّبرير , وورثة المجد . على ضوء هذه الحقائق , عليهم التأكّد أنّ جميع الأشياء الحاضرة تعمل معاً لخيرهم . لذلك فإنّ  المعرفة المسبقة هي الخطوة الأولى من الخطوات الخمس التي تكون تاريخ المؤمن الرّوحي . الخطوات واضحة ومُتواصلة : الّذين سبق فعرفهم سبق فعيّنهم , إلخ .قبل بداية العالم عرف الله عن كل البشر , ولكنّه لم " يعرف " كل البشر . تشير المعرفة المسبقة إلى أكثر من مجرّد البصيرة . قبل أن يخطّط الله أي أمرٍ لمختاريه المعني بهم بشكل خاص ( التّعيين ) , أحضرهم أوّلاً إلى المشهد , المركز ( المعرفة المسبقة ) قد يكون , كما هو مذكور في الكتب , أنّ المعرفة في العقل متعلّقة بأكثر من مجرّد الإدراك الذّهني . " المعرفة " تضم أحياناً فكرة الوعي الحميمي والمحبّة وتقترح فضل خاص ومشاعر حبيّة . أنظر مثلاً  (عا 3 : 2 ؛ متى 7 : 23 ؛ 1 كو 8 : 3 ؛ 2 تيم 2 : 19  ) . قد تشير معرفة الله المسبقة إلى أنّه " وحّد نفسه مسبقاً " وحبيّاً مع المؤمن . تكشف هذه المعرفة عن أعماق الحكمة ألإلهيّة غير المُسْبَرَة ومجالها أللا متناهي , مع المميّزات المفصّلة لمعرفة الله , كلتيهما المذكورتين في مكان آخر فيما يتعلّق بسلطة الله المطلقة (رو 11 : 33 - 36 ) .لنلاحظ بأنّ المعرفة المسبقة تتعلّق بالأشخاص , وليس بأمر بهم أو عنهم .

(رو 8 : 29 , 30 ) توسّع جملة بولس بأنّ أولئك الذين يحبّون الله المدعوّيين حسب قصده . المعرفة المسبقة تظهر أخيراًَ كأساس أيضاً للإختيار (1 بط 1 : 2 ) .

الإختيار

ما عدا إستثناء واحد (2 تس 2 : 13 ) فإنّ مراجع العهد الجديد لإختيار المؤمن مأخوذه من عائلة كلمات واحدة في اليونانيّة . الفعلeklego  يشير إلى إختيار أو إنتخاب , ومعناها ألأساسي واضح من إستعمالها غي التّقني في (لوقا 10 : 42 ؛ 14 : 7 ؛ أع 6 : 5 ؛ 15 : 22 , 25 ) . التّعبير " المختار " تستعمل عادة للإشارة إلى البقيّة التّقيّة من إسرائيل الّذين قد تعيّنوا للبركة المستقبليّة (متى 24 : 22 , 24 , 31 ؛ رو 11 : 28 ؛ أنظر أيضاً أش 65 : 9 , 15 , 22 ) . الرب نفسه دعي المختار عدّة مرّات (لو 9 : 35 ؛ 23 : 35 ؛ 1 بط 2 : 6) بالتّشديد عاى جلال سموّه وتفوّقه .قارن أيضاً الإستعمال في (رو 16 : 13 ؛ 2 يو 1 : 13) إستعملت تكراراً لإختيار الرب يسوع لتلاميذه الإثني عشر (لو 6 : 13 ؛ يو 6 : .7 ؛ أع 1 : 2 ( أنظر عدد 24 ) ) . إستُعملَت كلمة " المختارين " عادةً من الرّسل لوصف المؤمنين (رو 8 : 33 ؛ تيطس 1 : 2 ؛ 1 بط : 1 : 2 ؛ 2 : 9 ) .

واحدة من الآيات الأساسيّة في (أف 1 : 4 ) . إنّ الله قد إختارنا " في المسيح " . نسبة إسرائيل لإبراهيم هي الأساس والسّبب لبركتهم . وهكذا نحن أيضاً , إختيارنا للبركة مرتبط بشخص المسيح . لاحظ أنّه قد تمّ إختيارنا لأنّنا قدّيسين ولسنا لأنّنا سنصبح كذلك . لم يكن هناك أي شيء جذّاب بالأشخاص الّذين إختارهم الله . لم يتأثّر بتلك الإعتبارات الّتي عادةً ما تؤثّر على إختيار البشر . عادةً يختار الفقير (يع 2 : 5) , الجّاهل والضّعيف إلخ .. كي لا يفتخر ذي جسد أمامه (1 كو 1 : 27 - 29 ) . في (2 تيم 1 : 9 ) تم إستبعاد كل إستحقاق بشري من إختيار الله , والّذي هو أيضاً مرساة مشيئة الله للخلاص في الأبديّة  (أف 1 : 4). هذا مذكور أيضاً في (2 تس 2 : 13 ) حيث موضوع الإختيار ( حرفيّاً : ألأخذ لنفسه ) مع محبّة الله تظهر بوضوح . أنظر أيضاً (1 تس 1 : 4) . يُقِر بولس بإمكانيّة معرفتنا , ليس فقط إختيارنا الشّخصي فقط , (1 كو 1 : 26 , 27) ولكن أيضاً إختيار الآخرين (1 تس 1 : 4) . القوّة التي رافقت وعظه , الهمّه الّتي بها إحْتُضِنَ الإنجيل والثّمر الّذي أنتجتهُ , أعداد 5 – 10 تعطينا دليلاً واضحاً بأنّ أهل تسالونيكي كانوا موضوع إختيار محبّة الله .

يقول بطرس أنّ إختيار المؤمن ودعوته يثبتان بممارسته للنّوعيّات والنّعم التي تساهم في عمل المسيحي وإثماره لمعرفة الله (2 بط 1 : 10) . " الدّعوة " هنا تسبق الإختيار لأنّه يتكلّم من وجهة نظر المتقبّل وليس الله .وُصِفَ الإختيار بكونه الأساس لضمان المؤمن (رو 8 : 33) كدافع ومشجّع على القداسة الشّخصيّة (كو 3 : 12 ) وكمحفّز للتّبْشير (2 تيم 2 : 9 , 10) . إستطاع بولس تحمّل كل المصائب التي حلّت به لإدراكه إستحالة تقييد كلمة الله كحاله هو , وكذلك لأجل المختارين حتّى " يحصلوا هم أيضاً على الخلاص" . عرف بولس أنّ الله قرّر الأمرين : النّهاية – خلاص ,  والوسيلة – تبشير أنظر أيضا (أع 18 : 9 , 10) . لقد كان أحد أعظم من بولس الذي جمع سويّةً بين سلطة الله المطلقة للخلاص والدّعوة الكونيّة لإنجيله (مت 11 : 25 - 30) .

يؤكّد الرّسول بولس في (رو 9 - 11) على توجّه الله نحو إسرائيل بكونه مبني على مواعيده للآباء ومحبّته الثّابتة لشعبه – وليس على رفضهم الحالي للإيمان . قيلت كلمة " إختيار " في الفقرة عن مؤمني اليهود الأفراد بعهد الكنيسة هذا (رو 11 : 5 , 7 ) وأيضاً للأُمّة التّائبة في المستقبل (رو 11 : 28 ) وفي كلتا الحالتين " مشيئة الله بحسب الإختيار " (رو9 : 11 ) .

التّعيين

الفعل اليوناني proorizo  يعني " يحدّد مقدّماً " أو " يضع علامة على .." . إنّها مذكورة ستّة مرّات في العهد الجديد . في (أع 4 : 28 ) إستعملَت للتّشديد على أعمال البشر الشرّيرة العاملة في سياق مشورة الله ( لا يعفي هذا البشر , بأيّ حال , من المسؤوليّة ) (لو 22 : 22 ؛ أع 2 : 23 ) . الكلمة موجودة أيضاً في (1 كو 2 : 7 ) " بل نتكلّم بحكمة الله في سرِّ . الحكمة المكتومة الّتي سبق الله فعيّنها قبل الدُّهور لمجدنا ً " . الحكمة التي في خطّة الله تسبق كل حكمة البشر المتباهية وهدفها تمجيد المؤمن , أعداد 9 , 10  . إستُعْمِلَت كلمة تعيين أيضاً في مواضع أُخرى للأشخاص فقط , لوصف أُولئك الّذين قد سبق وتعيّنوا (رو 8 : 29 , 30 ؛ أف 1 : 5 , 11 ) . في كل الحالات فإنّها تعود لقصد الله والمشورة الّتي أساسها في مشيئتهِ .

في (رو8 : 29 , 30 ) يظهر التّعيين بكونه الحلقة الثّانية من سلسلة الخلاص التي تربط سويّةً الأبديّتين . هذه السّلسلة لا يمكن كسرها . إنّها تكتمل في السّماء , عدد 35 , 38 , 39 . في المملكة الرّوحيّة , كما هو الحال في الطّبيعيّة , هدف الله الأقصى هو تفوّق وتفرُّد المسيح (كو 1 : 18 ) . لقد سبق الله وعيّن كل أُولئك الّذين سبق وعرفهم ليشابهوا صورة إبنه حتّى يحتَل مكانة البكر بينهم .

يتعلّق التّعيين أيضاً بعظمة علاقتنا بالله كأولاده (أف 1 : 5 ) . الفرح بهذا المركز بالنّظام الجديد للأشياء الّتي تعلن عن عودة المسيح (أف 1 : 11 ؛ وأيضاً عدد 14) .

نظرة متوازنة

طرق الله كلّها عدل . إنّه أمر يتعلّق بالنّعمة النّقيّة والقادرة على تخليص كل مذنب أو خاطئ أثيم .

يرفض الكتاب بحذر أيّ إقتراح بأنّ الله إختار أيّ بشرٍ للّعنة ( نظريّة النّبذ ) الإختيار هو فقط للخلاص , وليس للدّمار إطلاقاً .الملكوت قد أُعد إلهيّاً " للخراف " والنّار الابديّة لم تُعَد " للجداء " وإن كان بمقدورهم تذنيب أنفسهم لعذاب أبدي ! (مت 25 : 34 , 41 , 46 )

يتوجّه بولس للتّحضير الإلهي بتمجيد " آنية الكرامة "ولكن ليس دمار " آنية الهوان " (رو 9 : 22 , 23).

3) " لقد إختار الله شخص معيّن للخلاص "

    " الإنسان حر , له القوّة على إختيار مصيره "

    أيّ من الجملتين صحيح ؟

     الحق ليس موجود في أيّ واحدة منهما ولا حتّى في الوسط بينهما . ولكن في كلتيهما معاً . الإنسان هو حر وأيضاً تحت سيطرة الله . صحيح , لا نستطيع إستيعاب الأمرين معاً في عقولنا , ولكن هذا لا يعني عدم إمكانيّة ذلك في عقل الله .

إستبعد حريّة الإنسان , عندها لن يكون هناك أشخاص للخلاص , إستثني سلطة الله المطلقة , فلن ترى أيّ شخص سوف يخلص !