كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



عمل الرب يسوع الكهنوتي

وظائف رئيس الكهنة
إن العدد الاساسي لفهم وظائف رئيس الكهنة، إن كان المثال (هارون) أو الحقيقي ( الرب يسوع ) هو: " لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَا لِلَّهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا"(عب5: 1). لذلك فوظيفة رئيس الكهنة أن يقف بين الله والناس، والشرط الاولي لمثل هذه الخدمة هو ضرورة امتلاكه لعلاقة جيده بين الاثنين. ان هذا العمل هو شكل خاص من وظيفة الوساطة أو الشفاعة. لقد كتب بولس عن هذا قائلا:" لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ"(1تيم2: 5) وهي يختص بخدمة الشفاعة التي يمارسها يسوع المسيح وهو عن يمين العظمة :" نْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا!"(رو8: 34).
كتب يوحنا الحبيب رسالته كي لا نخطئ ، ولكنه يعرف ومختبر ضعف المؤمن ، لذا فهو لا يتركنا دون أمل بل يقول:" يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ ( باراقليط) عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ"(1يو2: 1). ولكن الوظيفة بالتفصيل لتطبيق نموذج رئيس الكهنة مذكور بالرسالة الى العبرانيين. حيث الاية المكررة عادة :" انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ "(عب 8: 5) ، ذاكرا بالتفصيل كل أدوات الخيمة وخدمتها كتعبير منظور (غير كامل) للواقع السماوي الكامل ، والمسيح كرئيس كهنة يتوسط بين الله والناس بالهيكل السماوي غير المصنوع بيد إنسان( عب إص 9 و 10). وعمل كاتب العبرانيين كل الجهد حتى يبرهن دون أي شك تفوق الرب يسوع على أعظم المقدسات اليهودية : فهو أعظم من الملائكة(اص 1و 2) وموسى (إص 3) ويشوع (اص 4: 1- 11) وبعد ذلك هارون وملكيصادق وكل الكهنوت الهاروني(4: 12 – 10 : 23).

العلاقة من جهة الله
لقد كانت هذه العلاقة (الكهنوتي) فاشلة بشكل كبير حسب النموذج الهاروني ، ويمكن قبولها بشكلها الرمزي فقط. إن الانسان الطبيعي غير معتاد للحضور الالهي، وكؤمني العهد القديم كانوا على حق عندما شعروا أن النتيجة المنطقية لرؤية وجه الله هو الموت. حتى موسى قال في محضر الله :"أنا مرتعب ومرتعد"(عب12: 21 ) .لم يكن هارون " في البيت – At Home" في المكان المقدس ولا حتى في الظل الارضي لهذه الامور. تقدم برعدة ودخل الى ما وراء الحجاب مرة في السنة فقط . وليس ذلك فقط ، فهو لم يكن انسانا طبيعيا فقط بل خاطيء بشكل شخصي موضوع تحت غضب الله. لهذا السبب ، كان عليه اولا في يوم الكفارة العظيم ، وهو المؤسس عليه كل رسالة العبرانيين، أن يقدم عن نفسه ذبيحة وبعد ذلك، وهو مغطى بالدم بصورة رمزية، يقد ان يمارس وظيفته بالنسبة للشعب. لقد كانت نهاية الطبيعة الخاطئة هي الموت ولذلك فان خدمة رئيس الكهنة كانت محدودة بالوقت:" وَأُولَئِكَ قَدْ صَارُوا كَهَنَةً كَثِيرِينَ لأَنَّ الْمَوْتَ مَنَعَهُمْ مِنَ الْبَقَاءِ"(عب7: 23) أي ان الكهنوت الهاروني هو بالوراثة حتى يكون هناك استمرارية وعدم انقطاع بالسلالة (بالظل الارضي) .
يمكن الشعور بضعف النموذج الهاروني في مزمور 110 حيث يذكر كهنوتا ثابتا مرتبطا بالمسيا :" أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ "(عد 4) . بهذا المرجع النبوي، ذكر ملكيصادق المختصر، الملك والكاهن الغامض، دون ذرية أ, ورثة، والذي أخذ العشور من ابراهيم، له أهمية خاصة. لقد أكد الكاتب للعبرانيين ، الذين وجهت لهم هذه الرسالة، والذين تذكروا بالتاكيد الطقوس القديمة، أنه لا كمال في الكهنوت الهاروني بسبب فشل علاقته مع الله .
ان هذه العلاقة التي كانت فاشله عند هارون ، اصبحت كاملة "بيسوع ابن الله"(عب4: 14) واللقب المعطى له هنا يشير الى كمال بشريته والوهيته حتى أنه استطاع ان يجتاز السماويات ليصل الى عرش الله بالذات. لهذا السبب يفتتح الكاتب رسالته الى العبرانيين بشرح مهيب لالوهية الرب يسوع يسوع المسيح الكاملة :" لَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ"(1: 2) كل ذلك لاقناع المؤمنين من العبرانيين المتذبذبين (بين اليهودية والمسيحية) بعظمة رئيس الكهنة السماوي مقارنة بالارضي وتحويل كل افكارهم نحوه. فالرب يسوع هو " بالبيت" بكل معنى الكلمة – أي في المقدس حيث كان أولا . فبعد أن أزال خطايانا، جلس عن يمين العظمة في الاعالي. لذلك تستطيع قلوبنا أن ترتاح بالكامل حيث فيه كل الكفاية بالامور المختصة بالله. ففي كل الامور هنا نراه بالنقيض من هارون حيث انه لا تحده المتطلبات الاخلاقية ، وهو لا علاقة له بالخطية الا عندما حملها على الصليب . كذلك لا يوجد هناك أي فشل بالنسبة لموضوع الاستمرارية ، حيث قدم نفسه مرة واحده لاجل الخطية ، فهو يستمر بالكهنوت الى الابد دون انقطاع: " لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ" (عب7: 26، 27).

العلاقة من جهة الانسان
إن مؤهلات هارون ، والتي كانت ضعيفة وناقصة من جهة الله ، نراها كاملة من تجاه البشر. فهو " قَادِراً أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضاً مُحَاطٌ بِالضُّعْفِ"(5: 2)فهكذا نرى ، بالنسبة لموضوع فهم احتياجات الشعب والوقوف الى جانبهم ، فان طبيعته الخاطئة كانت بمثابة مؤهل هام !
ان الامر الذي كان سهلا وطبيعيا لهارون ، كان صعبا للغاية للمسيح ، حيث أن طبيعنه الالهية وكماله الاخلاقي التام كانسان جعلاه غير ملائم لتمثيل البشرية الفقيرة، الضعيفة والخاطئة! كيف كان له " ان يتلامس مع مشاعر النقص والعجز التي عندنا ؟" كيف لهخ أن يدخل في تجربة اولئك الذين بارادتهم تركوا اجواء سلامه وبراءئه؟
فقط بملء غنى الحكمة الالهية والنعمة تكمن الاجابة : بسر التجسد ، والتجربة وآلام ابن الله !
"... لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ... يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ... لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً... إِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا... لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ"(عب 2: 9- 18)
" فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ... لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ... فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْناً فِي حِينِهِ"(4: 14- 16)
" الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ،... مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ... وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ... مَدْعُّواً مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ"(5: 7- 10)
" لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ... الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ.... إِنَّ النَّامُوسَ يُقِيمُ أُنَاساً بِهِمْ ضُعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ الْقَسَمِ الَّتِي بَعْدَ النَّامُوسِ فَتُقِيمُ ابْناً مُكَمَّلاً إِلَى الأَبَدِ"(7: 26- 28)
نرى فيما سبق تقدم ابن الله حتى استطاع ان يظهر كرئيس كهنة أمين ومنعم بوسط شعب ساقط بشكل خاص. أي غنى من النعمة يحتاج حتى يحصن نفسه حتى يقوم بمثل هذه الوظيفة! قد يظن البعض ان مثل هذا التقدم او النمو غير ملائم لابن الله ، وذلك بحسب المفاهيم الدينية السائدة بالعالم:" لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ."(عب 2: 10) . فبالتجسد تشارك معنا ابن الله حقيقة بالجسد والدم ، بالطبيعة الالهية :" فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا..."(2: 14) وذلك لان اولئك الذين كان سيتحد بهم كعائلة واحدة , وكان سيخدمهم يشاركونه في هذه الطبيعة وبقصد الله أن يجسر الهوة العظيمة بين الله والانسان بيسوع الاله-الانسان. هذه هي الخطوة الاولى العظيمة والتي بها يقدر أن يقف بجهة الانسان وأن يقف لصالحهم أمام محضر الله.
إن تجربة ابن الانسان هي سر عميق، ولكن الكتاب يؤكد انها حقيقية وأنه كان " مجرب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية"(4: 15) إن حقيقة الاغواء للشر توضحت بالكامل بتجربة ابليس ، والتي هي مجرد مثال، على الرغم من ان في حالته لم تكن امكانية للشيطان ان يخترق أسوار الحماية لانه ، كابن الانسان، فان مشيئته كانت خاضعة بالكامل لمشيئة أبيه . بهذه الطريقة ، فهو قد اكتسب القوة ليتلامس مع مشاعر نقصنا من وجهة نظر الانسان المجرّب :" لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا"(4: 15) .
" مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ"(5: 8) الاله المتالم يتعلم في مدرسة الطاعة هو أمر جهالة للديانة الطبيعية ، ولكن السر قد إنكشف لنا ، فيا ليت نسجد في قلوبنا عابدين لهذا الاظهار أكثر من أي أمر آخر. لقد كان امام الاله-الانسان امرا لم يكن امام الالوهة وحدها، وهو الخيار بين سبيل التمتع ، وهو غير خاطيء بحد ذاته ولكن ليس بحسب خطة الله لذلك الوقت ، وآخر سبيل قمة الالم ، والتي كانت بحسب مشيئة الله لخلاص الانسان . لذلك ففي جثسيماني ، المثل الاعلى لمثل هذا الصراع ، حيث نرى " مشيئتي" و" مشيئتك" صراع قد حسم بالطاعة الكاملة للعبد الالهي الذي " تعلم" الطاعة كحقيقة عملية باختيار مؤلم.
الاشتراك في الجسد والدم ، اختبار تأثير التجربة، التعلم من الالم ونظرة العطف الثاقبة – كل هذه قد منحت رئيس كهنتنا نفس العلاقة الكاملة من الوجهة البشرية كما كانت له بالطبيعة الاساسية من وجهة النظر الالهية . وهذا ما قصده الكتاب عندما قال : " وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ" (5: 9) .
من الواضح انه لا يوجد هناك أي شيء ممكن اضافته الى كمال ابن الله الاخلاقي والانسان الكامل ، ولكن تقدم كبير كان متعلق بتمثيله للخطاه والشفاعة لهم . ان هذا الكمال هو له الان أيضاً .