كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



أفكار الله

كم هو من السّهل أن أن تمتلك أعكار البشر عقولهم وعقول الاخرين أيضاً , أعكار من السّهولة فرضها! أمّا فيما يتعلّق بأفكار الله فهو خطأ كبير الافتراض أنها شبيهة بأفكار الانسان . إنّه في الحقيقة سيكون غريباً إذا كانت غير ذلك , لان الله قدوس وكلي المعرفة لذلك فإنّ أفكاره في مستوى مختلف تماماً : " لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ " ( أش 55 : 9 ) فإنّه كما أننا لا نستطيع أنم نقف على الارض ونلامس السّماء , هكذا أيضاً لا نستطيع بطبيعتنا الضّعيفة أن نفقه كنه أفكار الله . ليس فقط أن أفكاره مرتفعة جدّاً بالنّسبة لنا بل أيضاً عميقة جدّاً : " مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ وَأَعْمَقَ جِدّاً أَفْكَارَكَ. الرَّجُلُ الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ وَالْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هَذَا " ( مز 92 : 5,6) . إن المزمّر يتعجّب من أعمال الله ومن عمق أفكاره التي هي مصدر أعماله . عندما كتب بولس الى أهل رومية , عن أعمال الله الرائعة المخنصّة بالعهد مع إسرائيل وجد نفسه يسمو بعيدا بالروح ويقول : " يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الِاسْتِقْصَاءِ!«لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟ " (رو 11 : 33 , 34 ) . حقّاً إن أفكار الله تختلف عن أفكارنا ! إن أفكار ذات سلطة غير مشكوك فيها , معصومة عن الخطأ , هي الحق الضروري لنل , غير متغيّرة بسبب عصمتها . الله قدوس وهو لذلك مصدر كل دينونة حقيقيّة ولكل المقاييس الكاملة . إن أفكاره تنبع من نبع غير ملوّث , لا يمكن أن تكون نجسه أو أن تتنجّس : " قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ… هَذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ ...فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ ... " ( أش 14 : 24 , 27 ) .
لقد تيقّن أيوب أن لديه معرفة صحيحة عن أفكار الله , ولكنه غاص في حمأة من أحزان طارئة فناح وندب . لقد تعلّم فعلاً , أنّ أمور هذه الحياة , والتي كانت غامضة ومظلمة , كانت كلّها تحت سيطرة يد الله لخيره . لم يكن لأيوب أن يعرف مطلقاً ماذا يدور في خلد الله , ولكنّه تعلّم أنّ أي أمر يخطط له الله يجب أن يتم , وأن كل عبيد الله الذين مرّوا بتجربته أن يثقوا به: " أَمَّا هُوَ فَوَحْدَهُ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ.لأَنَّهُ يُتَمِّمُ الْمَفْرُوضَ عَلَيَّ وَكَثِيرٌ مِثْلُ هَذِهِ عِنْدَهُ " ( أي 23 : 13 , 14 ) , ولكن افكار الله ثابته أيضاً بالنّسبة للدينونة , عندما يتطلّب الامر ذلك : " فَتَرْتَجِفُ الأَرْضُ وَتَتَوَجَّعُ لأَنَّ أَفْكَارَ الرَّبِّ تَقُومُ عَلَى بَابِلَ لِيَجْعَلَ أَرْضَ بَابِلَ خَرَاباً بِلاَ سَاكِنٍ " ( إر 51 : 29 ) , وليس هذا فقط عندما يتعلّق الامر بأعدائه المجاهرين بعداوته بل أيضاً فيما يختص الامر بأرضه- موضوع مقاصد الله , فالدينونة أكيدة : " لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبّ ُ: خَرَاباً تَكُونُ كُلُّ الأَرْضِ وَلَكِنَّنِي لاَ أُفْنِيهَا.مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَنُوحُ الأَرْضُ وَتُظْلِمُ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدْ تَكَلَّمْتُ. قَصَدْتُ وَلاَ أَنْدَمُ وَلاَ أَرْجِعُ عَنْهُ" ( إر 4 : 27 , 28 ) . إنّ دينونة الله لا تتأثّر بالحقيقة أن أناس بعيدين عنه لا يعترفون به : " وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَفْكَارَ الرَّبِّ وَلاَ يَفْهَمُونَ قَصْدَهُ إِنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمْ كَحُزَمٍ إِلَى الْبَيْدَرِ " ( ميخا 4 : 12 ) . إنّه من المفيد أن نذكّر أنفسنا أن الله لا يتردّد أن يؤدّب شعبه الخاص إذا أصرّوا على التّمرّد ضد مشيئته : "قَلَبْتُ بَعْضَكُمْ كَمَا قَلَبَ اللَّهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ فَصِرْتُمْ كَشُعْلَةٍ مُنْتَشَلَةٍ مِنَ الْحَرِيقِ فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ يَقُولُ الرَّبُّ.«لِذَلِكَ هَكَذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا إِسْرَائِيلُ. فَمِنْ أَجْلِ أَنِّي أَصْنَعُ بِكَ هَذَا فَاسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ يَا إِسْرَائِيلُ» " ( عا 4 : 11 , 12 ) . هناك طبعاً الوجه الاخر المشرق : إن الله العظيم الازلي , يظهر فكره لمختاريه . يتكلم بولس في الحقيقة عن الامتياز العظيم لاولئك الذين
يسكن بهم الرّوح القدس : " لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ " ( 1 كو 2 : 16 ) , لذلك فإنّه من اللائق بنا , نحن الذين خلصنا بنعمة الله المجّانيّة , اللهج قدر إستطاعتنا , بأفكار الله الرّائعة نحو شعبه , كما نرى كيف إهتزّ قدّيسو العهد القديم عندما تأمّلوا بأفكار الله , لذلك سنحاسب نحن يوماً ما على فتورنا وكسلنا الرّوحي ! عندما فكّر المزمّر برعاية الله به كتب قئلاً : " مَا أَكْرَمَ أَفْكَارَكَ يَا اللهُ عِنْدِي! مَا أَكْثَرَ جُمْلَتَهَا!إِنْ أُحْصِهَا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّمْلِ... " ( مز 139 : 17 , 18 ) . لم يدفع الكبرياء والاعتداد بالنّفس المزمّر لكتابة هذه الكلمات , لانه قال في مكان أخر : " ما هو الانسان حتى تذكره ؟ " لقد إكتشف حقيقة إهتزّ لها قلبه ! إن الله هو خليله بكل ملء قوّته ومجده , فهو يفتكر بالله , وهكذا يتمتّع بالحقيقة أنّه كان بفكر الله وأنّه لا يستطيع الرّاحة حتى تتطابق أفكاره مع أفكار الله : " اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي.وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً " ( عد 23 و 24 ) . إرميا أيضاً , متحوّلاً مؤقّتاً عن رسالته الحزينة , متوجّهاً نحو مقاصد الله الخيّرة والعميمة نحو شعبه قائلاً : " لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرٍّ لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ " ( إر 29 : 11 – 13 ) . إذا كانت أفكار الله مصدر فرح وإلهام لانبياء العهد القديم , فهي إذاً لا بد وأن تكون ذات أهميّة قصوى لنا . إن أفكار الله من نحو شعبه محفوظة كلها بالتّعبير :" معرفة الله السّابقة " . يستعمل هذا التّعبير غالباً عن البشر وليس الاحداث : " لأَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ" ( مز 1 : 6 ) . لقد علم إرميا هذا الحق العظيم عندما قال له الله : " قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيّاً لِلشُّعُوبِ " ( إر 1 : 5 ) , لقد عرف الله إرميا – لم يقل الله أنه يعرف ما سوف يحدث معه ( مع أن هذا صحيح أيضاً ) ولكن أن الله عرفه وقدّسه . مره أخرى , قال لموسى : " وَانْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ وَوَجَدْتَ ايْضا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ... لانَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ " ( خر 33 : 12 , 17 ) , وعلى النّقيض , نقرأ في متى 7 : 23 " إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ ". لا يعني ان الله يجهلهم , بل على العكس , فهو يظهر الفرق بين أولئك الذين ليسوا له وبين من إستقرّت عليهم محبّته !!
إن التّعبير " معرفة الله السّابقة " يعني أكثر من مجرّد الحدس من خلال التكهّن بأفعالنا . فإنّ فكر كهذا سيشجّع بأنّ الخلاص مؤسس نوعاً ما على الاستحقاق ( توقع الله أن فلان ستجاوب مع دعوته ولذلك خلّصه !) ولكن هذه الارضية للخلاص هي غير ثابتة .
يقول بولس : " كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ " ( أف 1 : 4 ) .وكذلك يوحنّا : " اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ " ( يو 1 : 13 ) , أما بطرس الرسول فيقول أن إختيارنا هو: " بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ " ( 1 بط 1 : 2 ) .
في الاصحاح الثّامن من رومية يسجل بولس بعض أفكار الله تجاه شعبه :
أفكار النعمة الابديّة : " وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ " ( عد 28 ) ضرورة أن نشابه إبنه : " لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ " ( عد 29 ) . دعوتهم , تبريرهم وتمجيدهم , قبل أن ينبلج نور النّهار : " وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضاً. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً" ( عد 30 ) .
نرى في الانجيل كيف أن مقاصد الله تتم بالكامل . نرى كيف يخبر الرب تلاميذه عن مجيئه الثاني لاخذ خاصّته معه . نسمعه يعد الرسل بالروح القدس , المعزّي , ليكون بهم معهم , عند إنتظارهم لمجيئه . وأخيراً , يعطينا ومضة من ذلك الوقت المجيد عندما ستتم كل وعود الله بالمسيح : سيكون شعبه معه وعلى شبهه .
إن في إستحقاقنا لا نستطيع أن نصل الى مقاييس الله . ولكن كما نقرأ عن أفكاره المقدّسة
والمجيدة والمنعمة , كما نفكر بنعمته ومحبّته نحو غير المستحقّين هذه المحبّة , لم يكن لديهم أي
رجاء بأنفسهم , عندها بمقدورنا أن نرد هذه الايات : " مَا أَكْرَمَ أَفْكَارَكَ يَا اللهُ عِنْدِي! مَا أَكْثَرَ
جُمْلَتَهَا! إِنْ أُحْصِهَا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّمْلِ اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكَ "