مدرسة
إنّنا في خطر السّقوط في الرّضى المزيّف بالنسبة لمستوى معرفتنا الروحي وحكمتنا . إنّه ليس من الصعب إقتراح أسباباً لهذا المزاج غير المبرر ولكن سوف يكون أكثر فائدة للفْتِ أنظارنا إلى إلأُمور التي تساعدنا على إزالته .
على سبيل المثال : بينما , وبصورة متباينة , المتجددون حديثاً في كولوسي تمتّعوا بكل ما يتعلق بالامتيازات والفرص التي نقبلها اليوم كأمور مفروغ منها تبقى الحقيقة بأنّ بولس , وبدافع من روح الله , قام بالصّلاة بدون إنقطاع لكي يمتلئوا " مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ. " (كو1: 9) إنْ كانت هذه الصلاة من إرشاد الروح القدس , من يجرأ على الادعاء بأنّ هذا أمر مستحيل إنجازه ؟ أيُرْشِد الروح القدس صلوات لا يمكن أنْ تُستجاب ؟ إنّ أبفراس , الذي كان هو نفسه من كولوسي , لم يقبل بالتأْكيد هذه النظرة لأنّه , وبمصادقة رغبة بولس القلبية , صلّى لأجلهم لِكَيْ يثبتوا "كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ " (4: 12) .
إنْ كان إثنين من المعلمين كبرنابا وبولس شعرا بضرورة الوعظ سنة كاملة لإرشاد المؤمنين في أنطاكيا , يجب أنْ نكون أغبياء بالإفتراض بأن بعض إجتماعات الخدمة الخاصة بأوقات متباعدة قادرة على سد كل إحتياجاتنا . إنّ الأمر المحزن هو , بينما الآباء العظام قد إشتهوا بصدق الإطلاع على الأمور التي أُظْهِرَت لفائدتنا , على الرغم من إجتهادهم المُضني , يُخْجِل حماسنا الضعيف مُستهينين عادة بالامتيازات التي قدّروها كثيرا , ولكن لم يسمح لهم بالتمتع بها , يخبرنا بطرس بانّه " تَشْتَهِي الْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا" , على هذه الأُمور , وكما يبدو, فان الله يسمح لهم أنْ يتعلّموا " حكمة الله المتنوعة " ألا يخجلنا هذا , لاحقا , إنْ إكتشفْنا بأنّ أُولئك المُعَدِّين لخدمة المُخلَّصين تعلّموا أكثر من المَخْدُومين أنْفُسِهِم . بكوننا ورثة الله , فلنشدد أحقاء أذهاننا للكشف عن غنى وأمجاد تلك الاسرار التي حفظها الله في قلبه وعقله الى أنْ أُميط اللثام عنها بواسطة انبيائه ورسله القدّيسين .
معلمون . إنّه ليس لنا عذر لأنّنا نملك الكتب المقدسة , وسكنى الروح القدس لقيادتنا إلى الحق . وأكثر من هذا , فالسيد القائم نظر أنّه من اللائق بأن يعطي معلمين للكنيسة , والروحيات الزائفة التي تحبذ الإستقلال عن هذه المساعدة التي يستطيع تقديمها المعلمين – عطية الله , تطعن بحكمة المسيح الممجد . لذلك , هناك داع للشكر على الدليل بان هناك نهضة لدراسة جدية ودقيقة لتعاليم الروح القدس , ولكن بالأحرى نحن ننزعج من الميل للبحث عن المعاهد اللاهوتية المتخصصة لسد الإحتياجات ألأكيدة . إنّ مجرد التّأمّل بتاريخ الطائفية يقدم لنا تحذيراً كافياً من هذه الناحية . إنّنا سعداء بأنّ هناك العديد من كليات الكتاب المقدس التي تنشر الإيمان , ولن نستخف بمساعيها بتزويد الشباب بخلفية لاهوتية . ولكن حِمْلَنا هو بأنّ السيد يريد من الرجال أنْ يتدربوا في شركة الكنيسة المحلية , متعلمين معرفة الله من خلال إختبارات الحياة اليومية , محرزين معرفة عملية بالكلمة وفكر الله تحت ارشاد الشيوخ الذين اعطاهم الرب للكنيسة كمعلمين .
عندما اُحتاج إيليّا إلى وريث , وجده , ليس في مدارس الأنبياء المختلفة , بل في الحقل يحرث واثنا عشر فدان بقر قدّامه . بالفطنة التي اعطاها الله رأى النبي الشيخ القدرات الكامنة بالرجل الشاب وضمه تحت جناحيه , وتحت ارشاده وقوة المثال , إنطلقتْ هذه القدرات الى الوجود ومارسها عمليا . ولكن حاجتنا الى اليشع فقط أنْ كان عندنا إيليّا .
قد يعترض بعض القرّاء بأنّه , في إجتماعاتهم , على الأقل , لا يوجد هناك معلمين كهؤلاء . إنْ كانت هذه الحقيقة فلن يكون من الصعب أنْ نضمن مساعدة معلمين أكْفاء , حيث هناك تواقين للتعلّم , يدْعون رجالاً ملائمين لخدمة الكلمة . اخذ برنابا خطوات فعالة لسد الاحتياج في إجتماع أنطاكيا فقد وجد من المناسب أنْ يقوم برحلة خاصة ليرجع بولس الى أنطاكيا . هل أنت متأكِّد من عدم وجود معلمين في وسطكم ؟
إنْ كان الأمر هكذا , فإنّه من الجدير بالبحث عن السبب, أو لربّما كان هناك مرّةً معلمين نقلهم الرب لأنّهم لم يُعْتَبَرُوا , أو أنه لا يوجد هناك الرغبة الحقيقية في الطلب من الرب بأن يزوِّدهم لكم , وإنّنا نؤمن أنّ الكنيسة تحصل على المعلمين الذين تستحقهم . من المرجح بأنّه متوفر هناك معلمين ذوي قدرات كامنة , ولكن الطبيعة البشرية غير المتغيرة التي ما زالت أعينها في آخر الارض ولا تستطيع أنْ تؤمن أنّ أخاً , الذي يسكن بالمقربة منا ونعرفه كل أيّام حياتنا , من الممكن أنْ يكون عطية الله للكنيسة .
إنّ الحرية المسموح بها بيننا , هي التي تدفعنا إلى قبول الخدمة العشوائية . آن الاوان ليدرك المسيحييون ان خدمة كلمة الرب مسؤولية مقدسة , فإدراكهم هذا , يدفعهم الى دعم ذوي المسؤولية بالصلاة .
أنْ كانت فائدتك محدودة من خدمة أخيك في الاجتماع المحلي , ضعه في الصلاه امام الله , وهذا سوف يجعله أكثر حرية بالروح , وخدمته اكثر فاعليّه ألا يفسِّر عكس هذا التوجه المؤسف نُدْرَة المعلمين الحقيقيين ؟
قد يكون رفض , وهذا صحيح , مبدأ خدمة الرجل الواحد , عاملاً مساعداً دفع بنا إلى التطرّف بالمقابل بالسماح لأيٍّ من يرغب بالقيام بخدمة الوعظ والتعليم . لكل رجل هناك مجاله الخاص . إن مَلأهُ بنعمة الله , فبإمكانه أنْ يكون ذا فائدة عظيمة للكنيسة . إنّه غلط فاحش , الإفتراض بأنّ كل رجل مدعو لخدمة كلمة الرب . وبصوره مشابهة فقد يُعْطَى المنبر لرجل غير ملائم بدعوى عدم جرحه إنْ لم يأخذ فرصة مؤاتية . إنْ كان هذا الانسان رجل الله , له رغبة صادقة بإرضاء الله وليس نفسه , فإنّه لن يطلب مكانةً لم يُدْعَ
إليها . ولن يلومه أحد على عدم قيامه بهذا الواجب , لأنّه لم توضع عليه هذه المهمة . إذا شعر إنسان بالاهانه كونه لم يُسأل بأن يتكلم , فهو بكل بساطة , يُعزِّز حُكْم إخوته بعدم أُهْلِيَّتِهِ للخدمة .أليس أكثر أهمية ألا نهين مشاعر القديسين بإكراههم على تحمل خدمة غير مثمرة او مريحة , من التعرض لمشاعر أحد الاخوة الذي يبحث عن إرادته الذاتية ؟
إذا تم تصحيح هذا التوجه فان الرب سوف يقيم عددا أكبر من الرجال الملتزمين لخدمتهم فقط . من المناسب هنا أنْ نقدم بعض الإقتراحات للشباب الذين يرون بأنفسهم الدّعوة للتّعليم .
يشير الكتاب إلى أمر , عادةً ما يُنْسى , أنّه من بين المواهب المعطاة للكنيسة : الوعظ والتشجيع . فلا نستطيع أنْ نكون شاكرين لرجال لا يحرّكون مشاعرنا عندما يداهمنا الفتور , أو يفشلوا بتعزيتنا عندما نكون محبطين . ولكن للمعلمين مهمة أخرى – إرشاد القديسين لكل مشورة الله العميقة , الى مبادئ الحق الواسعة , لتمكين المتعلّمين من تطبيقها على أنفسهم . وإن كان عمل الواعظ او المشجع له علاقة وثيقة بالشؤون الآنية للجماعة , فان المعلم يضع ألأساس للبناء في المستقبل . ولكن الويل له إنْ كان هذا الاساس فيه عيوب . فهذه ليست مُهِمَّة تؤخذ بخفَّة . على العكس , فإنّ يعقوب يحذر الكثير من قرّائه من عِظَم هذه المسؤولية التي سوف يُقدم عنها حساباً عسيراً (يع 3 : 1 )
تدريب المعلمين . إذا شككنا بالحاجة الى الإلتجاء للمعاهد اللاهوتية ليس ذلك لعدم الحاجة إلى تدريب المعلمين . إذا كانت الدولة تجد من المناسب تدريب معلمي العقول بالامور الدنيوية لإثبات مقدرتهم المهنية , فكم بالحري نفوس شعب الرب التي تسلّم لأيدي غير كَفُؤة . ولكن التدريب والكفاءات تختلف . إنّها دعوة لمعرفة الله الإختبارية للمحافظة على النمو الروحي مع اُزدياد المعرفة بالحق الكتابي , وخضوع القلب والعقل ليَتَشَكَّلوا بروح الله الذي يجاهد من أجل خلق أشخاص مشابهين للمسيح .
على المعلم أنْ يكون شخص " يعمل ويعلم " . إنّ المقدرة على إستحضار الحق بوضوح ومنطق مهم , ولكن وحدها غير كافية , يقول بولس : " وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِياً لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ" (1 كو 2 : 1 ) . يجب على المعلم أنْ يمتلك إدراك واضح عن هدف التعليم الصحيح . إنه ليس مجرد نقل معرفة , والتي من شأنها نفخ المتكلم والسامعين . إنّ المواهب المذكورة في أفسس 4 هي من أجل بنيان القديسين مع الأخذ بعين الإعتبار إظهار كل واحد لمجال خدمته بالكنيسة , حيث يستطيع أنْ يساهم شخصياً ببنيان جسد المسيح حتى يُنجَز هذا البناء الروحي .
حيث أنَّه لا يوجد بديل لهذا النمو , فكل جيل يحتاج إلى هذا النمو بنفس الطريقة . لا يوجد هناك إنسان أو جماعة قادرة على تقديم خدمة للاجيال اللاحقة إلاّ بحسب الطريقة الرسولية المُقْتَرَحَةِ على تيموثاوس :" وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً " (2 تيم 2 : 2 ) . إنّ هذا لدليل واضح على واجب الشيوخ الإنتباه للشباب
المَوْعودِينَ روحيّاً , الذين بتقواهم وجدِّيَّتَهُم , بالإضافة الى مقدرتهم على الإستيعاب والتعلُّم , يظهرون بعلامات من الرب كونهم معلِّمي الجيل القادم على الشيوخ الحقيقيين أنْ يضعوا مثل هؤلاء الشباب على طريق إحراز معرفة دقيقة وشامله للكتاب المقدس , والشباب من جهة أخرى , ليتهيَّئوا للتضحيات. المصاحبة لهذا الامر ويهبوا أنفسهم لها .
رجال ذوي قلب منقسم لن يصنعوا معلمين بتاتاً .