مستشفى
في عصر التقنية العالية الذي نحياه هناك ميل للتضحية بكل شيء على مذبح الفعّالية – فالدعوة هي لمزيد من الانتاج . عندما يحيا الناس في هذا الجو يوماً بعد يوم فليس من الغريب إطلاقاً , اذا اُجتاحت هذه العقلية الحقل الروحي واُقتادتهم لاُعتبار الإجتماع , ليس أكثر من مجرد مصنع روحي , حيث مجموع العمل المنجز هو الإمتحان الفذ لمدى نجاحه ! على جميع الفعاليات أنْ تكون منظمة , على الناس أنْ يكونوا مرتّبين كلٌ حسب مكانته , على الماكينات المحافظة على الحركة بسرعة فائقة وعلى كل شيء أنْ يسير بحسب الخطة المرسومة وبدون معوّقات ! قد يكون من المفيد بأنْ نتوقّف قليلا ونفحص إنْ أَنْتَجَت هذه الفعاليّات أيّ نتائج روحية بالمقابل . نرجو ألاّ يكون هناك أيّ قارئ يخامره الشك بأنّنا ضد عمل الاشياء باُحتشام ونظام , إنّه ليس فضلاً لخدّام المسيح إذا اُعتنوا بشؤون الخدمة أكثر من خدمة الرب . إنّه من الغباء أنْ نعادي الفعالية , لكن دعنا نَنْتَبِه إلى الخطر الكامن بنظرتنا إالى المؤمنين بكونهم مجرد " أيادي" يتعلق مدى إستحقاقهم للإعتبار بمدى مقدرتهم على الإسهام في " فعّالّية " الإجتماع . بالتاكيد على الاجتماع أنْ يكون فعال , ولكن التوجّه المذكور آنفا ينشئ روح التبرُّم تجاه أُولئك الّذين , لسبب أو لآخر , لا يلقون بقسطهم بأيّ مغامرة آنيَّة . إن اُلتّركيز على " النّتائج " في الصّناعة , بإستقْصاء مُتَعَسِّف لايِّ أمرٍ آخر , يصبح خطر ويشابه سرقة لشؤون النفس الضعيفة التي كانت قد تثبَّتَتْ , لنُدرِك أنَّ اعظم تقدم تكنولوجي لا يستطيع أنْ يتغاضى عن العامل البشري . إنّه حسناً جداً أنْ يكون لدينا صناعة منظمة ومُعَدَّة للفعّاليّة الفضلى , ولكن الحياة ليست مريحة كالماكنات , ولا يمكن إضافة الرجال والنساء كمجرد وحدات للإنتاج . بينما العراقيل المزعجة قد تتحول الى خبرات في الإنتاج , فإنّ الشخصيات الانسانية لا ترغب في أنْ تُضْغَط لمزيج واحد , تقدّم الأحداث المحض يجبرنا على الإعتراف بالحاجة للإعتناء بالفرد . تعتبر الآن المشاريع الخيرية كمساعدة لا تعوض , وأُمور عظيمة تصنع لمساعدة العامل لملائمة نفسه مع محيطه , وللآخرين الحكم لمدى النجاح . ومع ذلك , فقد يحصل للناس حوادث عمل أو مرض . هل تعتبر الصناعة هي عماليق اليوم التي ألقت بالمريض المصري الى الموت ؟ كلا , هناك مستشفيات للاعتناء بالمرضى وبمن لحقهم الأذى , وفي عصر يتزايد فيه باُطّراد التوجه لإنعدام الشخصية الفرديّة , فانه فضل عظيم لتلك المؤسسات التي نجحت للاحتفاظ , وباعجاب كبير , بتلك اللمسة الانسانية .
يُعَدْ كل هذا , بالّتأكيد , درساً مهماً لكل أُولئك الذين يعتبرون أنَّ الإجتماع المثالي هو ذلك الذي يشبه قفير النحل الدّؤوب , جماعة منظمة ذات فعالية عالية , مع رحمة ضئيلة لذكور النحل . قد يسير الكل في الأجتماع على مايرام , بغض النّظر عن مواصفات الخدمة المتوفّرة ( دعنا نقول الأفضل , إذا قصدنا " بالأفضل " الاكثر روحياً ) , تبقى الحقيقة غير المريحة بان المؤمنين قد يقعون بالمرض أو يستسلمون للتجارب , قد يحبطون من المصاعب يستخفّون بالتّأنيب( بمكانه أم لا ) أوْ قد يقعون ضحية لتعليم خادع .
الكثيرين قد دُمِّروا من تلك التجارب التي قد رحمنا منها بنعمته , فأولئك الذين يجعلون الفعالية هي الميزان الوحيد قد يوجدون مذنبين لانهم لم يظهروا روح سيدهم , الذي أحبّ أنْ يشفي منكسري القلوب ويريح ثقيلي الأحمال . خدمة روحيّه مناسبة تشبه الوظيفة العمليَّة للعيادة , ولكن عادة الحاجة الى أكثر من هذا . على الاجتماع أن يملك كلمة نعمة خاصة , حيث بمقْدُور النّفوس الحصول على العلاج الشخّصي المناسب .
لقد ربط المفسِّرين الخان في مثل السّامري الصّالح بالكنيسة , حيث تُوَفِّر العناية لأولئك الذين سُرِقوا وضُرِبوا بيد عدو النّفوس , بعد ان أنْقذهُم من الموت . إنّ العامل في الخان لم يُسأل أنْ يجد عملاً لهذا الرجل قليل الحظ , وانّما بأنْ يعتني بالمريض . إذا إعترض البعض على تطبيق هذا المثل بهذه الحالة , ففي الكتب أماكن عديدة تطبّق صورة المستشفى على الإجتماع ." وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإِيمَانِ فَاقْبَلُوهُ لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَارِ " (رو 14 : 1 ) . قد لا تكون نصيحة مقبولة كثيرا عند أُولئك ذوي الافكار المقيّدة عن الوجوه العديده لحياة الجّماعة والذي يدفعهم لقبول فقط أُولئك الأَقوياء المشابهين لهم والموعودين أنْ يكونوا مصدر قوه وليس عبئا . قد يبدو هذا نافع في المصانع , أما المشفى فإنّه يتّخذ خطّا معاكسا , فيطعم ويُعاِلج مدفوعا مما أعطِيَ في رومية " فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا " (15: 1) .
إنّهُ غريب أنْ يفرض المشفى إمتحان صِحَّة , أو مقدرة على العمل , أو شروط قبول . يجب أنْ نسعى لحمل عبء العناية بأُولئك الذين لا يظهرون كواعدين أو كأنهم قادرين على دعم الخدمة في الإجتماع بالمستقبل . فما دام المريض على قيد الحياة , فعلى المشفى أنْ يقبله على أمل العناية به لتعود له صحَّتَهُ . بكوننا نحصر أفكارنا الآن على الإجتماع بصفته مشفى , أحجمنا عن الدّخول في مسألة " القبول " بين ظهرانينا – فعلى سبيل المثال : " إقبلوا الضّعيف " لا يعني مطلقا قبول أُ ألاّ ولئك المتمسّكين بالعقائد المغلوطة , حتى هنا يجب أنْ نميّيز بين المُضِلِّين والمُضَلِّين , حيث يجب أنْ يكون لدينا الصّبر , للتّمييز , والتوجُّه لقبول مثل أُولئك الضّحايا .
لقد كتب بولس الرسول إلى التسالونيكيين بكل وضوح متوقِّعاً منهم إعتناق توجّه المشفى مع البعض , بينما لا نتغاضى عن حقيقة كونه حذّرهُم من أُولئك الذين يسلكون بلا ترتيب . ولكنه طالبهم بتشجيع صغار النفوس .
لم يكن بولس متقلّب الرّأي , ولكن مثل أُولئك , ضعفاء القلب , صغار النّفوس , الذين تنقصهم الثقة القويّة , ينظرون المصاعب والمخاطر في كل وضع , يرتعدون من كل مغامرة لأجل المسيح , ولم يعني بأنّ على التسالونيكيين تدليلهم عند قبولهم , مما سيزيد من تفاقم ضعفهم , وإنّما قصد بان مثل اولئك يجب ان يُشجَّعوا وبَذْلِ جُهد لوضع قلب جديد لهم . وأكثر من ذلك , يجب عليهم إسناد الضعيف وأنْ يكونوا صبورين مع الجميع . الصبر – كم يشبه هذا الرّعاية ! عادةً ما يكون المرضى نكدين وغضبانين أمّا أُولئك الذين يَرْعونَهُمْ فيُظهرون صبراً مدهشاً . ونحن كذلك إذاً , بفضل قياس صحِّتنا الروحيّة , بتمييّزنا لبعض القدّيسين الصعبين بكونهم مرضى فحاجتهم إلى علاج حكيم ورقيق.
تحدث المصائب أحياناً بين المؤمنين , والبعض قد يُؤخذون بزلّة . هنا نتمسك بإرشاد الكتاب الذي يطالبنا بإصلاح الوضع لأجل خاطر إسم يسوع المسيح ولمصلحة الخاطئ نفسه . لربما نفكّر عن تلك الحالات مقارنةً بالعمليّات الجراحيّة المؤلمة , تلك التي قد تبدو مألوفة أحياناً , عندما تكون المشكلة جديّة بحيث لا مجال للعلاج بالطرق العاديّة . إنّنا لا نفكر عن الحالات حيث المؤمن يتعمّد الضّعف بصوره متواصلة ومدروسة , بل نفكّر بأُولئك الذين يتعقّبهم الضّعف أو يُؤخذون بزلّة – فبالتأكيد الحاجة هي إلى مستشفى , لاحظ – الرّوحانيين . كما نُعْجَب بانسانيّة وصبر هيئة المستشفى , يجب أنْ نخاف جدّيّاً بالنّسبة للخدمات التي يقدّمونها , إذا لم نطمئن إلى كفائتهم , معرفتهم ومهارتهم التى حصلوا عليها بالتّدريب والخبرة . وبشكل مشابه كيف يتجرّأ رجال باُتّخاذ مسؤوليّة خطيرة كرعاية النّفوس , إلاّ إذا قد تعلّموا هذا الفن بالشّركة مع الرّاعي العظيم ! كما قد كشف لهم أوّلاً , أسرار وأمراض قلوبهم , ومهارتهُ المنعِمة بعلاجهم ؟ فقط عندما يرتوي القوي والسّليم , وبعدها فقط , بروح الفهم واللطف والصبر , يستطيع ان يربح ثقة النّفوس المتعبة . يا له من أمر مهم !
إن الطّبيب الذي يحصل على ثقة وإحترام مريضه فقد قطع شوطاً طويلاً باُتِّجاه رعايته حتى قبل أن تبدأ مُعالجتَهُ , وإذا استطاع ان يوفّر الوقت ليُصغي بلطف بينما المريض يُلقي بحمله , فإن التّحسُّن أحيانا يكون حالاً . يا لها من موهبة رائعة هي فن الإصغاء السّليم ! كم نحن متلهّفين لإعطاء النّصائح , بينما يكفي عادة , إذا اُستطعنا فقط ان نُصغي ونصغي , أن نُساعِد أخينا ليكشف عمّا يبْنيهِ مما لا شك فيه بان المكافأة الحقيقيَّة للطبيب او الممرّضة ليس الأُجرة التي يأخذونها , وإنّما الشّعور بان العمل المهم قد أُنجِزَ حسناً – الرّضى برُؤية إنسان , الذي كان مرّة مريضاً وضعيفاً , قد تعافى بسبب الرّعاية الكفؤة والتّقوى . قد يكون الإنسان بليد لدرجة لا يستطيع معها أنْ يدرك مديونيّته , أو طيشه غير المبرّر , حتّى لا يعبّر عن إمْتِنانَه لهم . ولكن الطّبيب الذي يسعى وراء مهنته النبيلة مع شعور قوي بالدّعوة السّماويّة , يستطيع أن يتغاضى عن الطّيش الفردي ناظراً إلى المثل الأعلى الذي يُحرّك عمله . إنّ خادم المسيح الذي يهتم بالنّفوس , يكون قد تجاهل دروس الكتاب الواضحة , إذا نظر إلى تقدير إخوته بكونه مكافأته . إنّه بالصّلاة , وعدم الإفتخار ولكن بمهارة يقدّم خدمة ذات قيمة لا تُقَدَّر للنفوس التّعبى , بدون أن يُشعِر اولئك النّفوس بهذا الدّين ابداً . انه سوف يكون ممتع كفاية لذاك الذي يطلب مجد الرب فقط وبركة شعبه , بأنْ يرى نمو القوّة الروحيّة بأُولئك الذين كانوا مرة ضعفاء ومرضى .
إنّه لا يخدم مجرّد مثال , وانّما شخص السيّد , الذي سريعاً سينصف اولئك المُسْتَعدّين ان يَنْفِقوا ويُنْفَقوا لاجل خاطر القدّيسين , وسوف يعطي النعمة الضروريّة نحوه بفرح ليتم الوعد " ... اعْتَنِ بِهِ وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ " ( لو 10 : 35 ) . يا لها من مكافأة عظيمة !
اما الان فدَعه يرُدْ " خَاطِئاً عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا" ( يع 5 : 20 ) .