فلاحة الله
لقد ساءت ظروف أهل كورنثوس لدرجة , حتى أنّ الرّسول بولس عندما كتب لهم رسالته الأولى, أحسّ بالحاجة لإعادة التّحذير . في (8: 9) يحذر ضد روح عدم الإكتراث السّائدة بينهم , ويشجع روح محبّة الغير . في (10: 12) يحذّر ضد روح الإكتفاء الذّاتي والثقة بالنّفس , ويشجع التذلل والإتّكال على الله . إنّ الرّسول يكتب ملاحظة تحذيرية في (3: 10) عندما يظهر الدمار الذي سبّبه جسديّتهم ويشجع على النّشاط والتّدريب الرّوحي .
إنّ الإصحاح الثّالث بجملته هو تحذير لعدم السّماح لأعمال الجّسد بالظّهور . لم يكونوا أولئك القديسون روحيّين وإنّما جسديّين , وأثبتوا هذه الجسدية بثلاثة طرق :
الإعاقات الجسدية (1, 2) .
الإنقسامات الجسدية (3- 15) .
النّجاسات الجسدية (16, 17) .
العلاج هو الإدراك الروحي والتّقدير للإجتماع بكونه مؤسّسة إلهيّة . لذلك فإنّ الرسول يفعل كما فعل حزقيال بأمر من الله من أجل إنهاض ضمائر شعب الله في زمانه , لدفعهم على إدانة أنفسهم والإعتراف , ومن ثَمّ للتّجديد والرجوع الكامل – ".. فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ.." (حز43: 10) .
ألإنقسامات بين القديسين تنكر عمليا متطلبات الله السامية . خدّام المسيح كهؤلاء الذين ذكروا في هذه الفقرة , هم أدوات من خلالهم آمَنٌا . مُعطي الإيمان في كلّ الحالات هو الرب . هما زرعا وسقيا , ولكن " اللهَ كَانَ يُنْمِي " . إنّهما " عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ " ولكن ليس أكثر من ذلك . إنّ الإجتماع ليس "لبولس" أو "لابلوس" أو "لكيفا" أو لأيّ أحد آخر. " وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ " . " وَأَنْتُمْ بِنَاءُ اللهِ " . " أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ " (9, 16) . إنّ إستعمال هذه الدّلالات الثلاثة للإجتماع المحلي يضع علينا مسؤولية حفظ :
الثمر الناتج عن فلاحة الله .
الوحدة الظاهرة في بناء الله .
القداسة التي تليق بهيكل الله .
قد يتذرّع البعض بالإبتعاد عمّا يسمى "الحق الكنسي" بالإدعاء أنّه غير عملي . لا يوجد هناك حق أكثر عملياً منه, إذا فُهم التّعليم الكتابي المتعلق بالإجتماع المحلي بالطريقة الروحية .
دعنا نفكر بالصورة الأولى من الصور السابقة . يشَّه الإجتماع بالأرض المفلوحة – بستان - ومن مسؤوليتنا الحفاظ على الثمر . ذهب بولس والعاملين معه إلى كورنثوس بينما كانت غارقة بالوثنية كانت الارض بوراً . لقد زرع هؤلاء الخدام
بذور الكلمة الجيدة في قلوب العديدين . لقد زرعوا وسقوا , والله أعطى النّمو . إنّ لله في هذه المدينة ألآن بستان ينتج جمالاً وشذىً وثمراً, لمجده ومسرّته . لهذا هناك حاجة الى أمرين – ينابيع وجُدران .
ينبوع المياه الحية . أولى هذه الحاجات هو حضور روح الله في وسط الجماعة وخدمته الملذَّة لقلوبهم . تُصَوَّر هذه الحالة في سفر نشيد سليمان بجمال رائع (نش 4: 12- 16 ) حيث يُقارَن العريس بكونه الذي جاد بكلّ محبته وبين الذي كل سروره البستان . البستان ينتج الثمار والشذى الّذَيْن يشبهان الموجود في "الفردوس" , وسر هذا الإثمار هو في الواقع كون الارض تتغذى بغنى على " ينبوع المياه الحية" . يشرح لنا يوحنا في الإصحاح 4 من الإنجيل بأنّ " ينبوع المياه الحية" هو قوة روح الله في أرواحنا ليقودنا للتمتع بالشّركة الإلهية المقدسة والحميمة .
في يوحنا 4 هناك ثلاثة أُمور توضع أمامنا للترتيب الإلهي للإختبار :
ينبوع الشركة (عد 14) .
قداسة العبادة (عد21 – 24) .
الحقول المبيضة للحصاد- الخدمة ( عد 35- 38 ) .
إنّ قيمة خدمتنا في الحقول المبيَضّة تعتمد على إختبارنا المقدس. إنّ أرواحنا لن تهتز بتاتا بنشوة العبادة بمعزلٍ عن الإختبار اليومي لينبوع الشركة – أرواحنا مرضيّة بالله . أيضاً سيول لبنان , لها بالتّأكيد رسالتها , (نش 4: 12- 16 ) . لبنان يعني "أبيض". ها هنا سيول نقية دائمة الجّريان , تغذّي الارض المنتجة للثمر والشذى لأبهاج قلب صاحب الكرم . إنّه يتكلم عن تلك السيول – حياة القداسة التي تبرهن على عمل الروح القدس فينا . الكنيسة تتكوّن من الأفراد , فكما أنّ الرّوافد تغذي النهر الرئيسي , هكذا أيضاً سيول حياة القداسة تتزوّد من كل فرد الذي يصبح مركز للقداسة في الإجتماع بهذه الطريقة يحافظ على إثمار بستان الاجتماع .
الجدران المغلقة للانفصال . هي الحاجة الثانية . إنّ هذا يوصف أيضاً في نفس الفقرة . " اختي العروس جنة مغلقة " . إنْ كان الينبوع هو سرّ الإثمار , فإنّ الجدار هو الذي يحمي الثّمار .إنّنا نرى صورة مناقضة تماماً في سفر الامثال (24: 30- 34) " حقل الكسلان" كان مرّة ينتج الثّمار . ألآن أصبحت الطبيعة تنتج بدون أيْ ضوابط! كان الرجل كسلان جداً ولا يهتم في إجتثاث الاعشاب الضارة واُنهدام حجارة جدرانه . لقد أتى فَقْرَه كعدّاء وَعَوَزَهُ كغازٍ .لقد كان هذا عدوّه اللّدود , ويصعب التّغلّب عليه , كرجل مسلح . هكذا سوف تكون حياتنا , وهكذا سوف تكون الجماعة , إذا اُنهدمت الجدران المغلقة .
هذا هو بالضبط الغلط في كورنثوس :
ينابيع التغذية الروحية قد جفت .
(ب) جدران الإنفصال مهدومة .
الحياة الوثنية شجعت الإنتهاكات , كانت هناك قذارة ونتانة حيث يجب أنْ يكون الجمال ورائحة المسيح الذّكيّة . يقوم الرسول أوّلاً بتنظيف الينابيع الملوّثة الرّوحية – أُنظر الإصحاح 12 . وثانيا يقوم الرسول ببناء الجدران المغلقة – انظر (6: 11- 18) إنّنا نعيش في زمن الجسدية والتسويات . هلم لا نجعل صورة إجتماعنا كصورة " حقل الكسلان " . العالمية سوف تدخل الى إجتماعاتنا اذا كانت الجدران منهدمة . بنفس المقدار التي نحافظ على سلامة جدران الانفصال , وجريان الينابيع الروحية المنعشة فإنّ إجتماعنا سوف يكون بستان الرب , لمسرة قلبه .