التَّقْديس
إنّ الكلمة الّتي تشير في العهد القديم إلى التّقديس أو القداسة , تدل على فرز أو التّخصيص لهدف معيَّن , ولها عدّة تطبيقات في العهد القديم . نقرأ على سبيل المثال , عن أمكنةٍ مقدَّسة : أورشليم – المدينة المقدّسة , جبل سيناء – الجبل المقدّس . أو مرّه أخرى , تستعمل الكلمة أيضاً للأشخاص . مكتوب عن الرب يسوع المسيح نفسه أنّه قدَّس ذاتَهُ , " وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ " (يوحنا 17 : 19 ) . هارون , أولاده وثيابهم كانوا مقدّسين (لاويين 8 : 30 ) . الأشياء أيضاً تُقدَّس : كدهن المسحة (خروج 30 : 25 ) , اليوم السّابع (تكوين 2 : 3 ) الصوم وسنة اليوبيل .
من هذه الفقرة وفقرات أُخرى من الكتاب يبدو واضحاً أنّ الفكرة الأصليّة لكلمة " تقديس " هي ألإنفصال أو التّخصّص للله . فكما أنّ قطعة الماس التي لها جمال واحد ولكن العديد من الأسطح الصّغيرة هكذا هذه البركة المجّانيّة لها عدّة وجوه نود الآن التّأمُّل بها .
التّقديس سابق للتّجديد
يذكر الرّسول بطرس في رسالته الأولى 1 :2 , " بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ " يتضمّن هذا فعّاليّات الله مثلّث الأقانيم – معرفة الله الآب السّابقةِ , تقديس الرّوح القدس ورش دم يسوع المسيح . نفس هذا التّرتيب موجود أيضاً في (2 تس 2 : 3 )" وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ " .
الله قد إختارنا لملكوته , والرّوح القدس قدّسنا وفرزنا للإيمان بالحق . لذلك فإنّ تقديس الرّوح متعلّق بإختيار أو إنتخاب الله للمؤمن , هذا العمل الإلهي يسبق قبول الإنجيل من قِبَل الفرد .
القداسة الشّرعيَّة
يصف العهد الجديد المؤمنين بالرب يسوع المسيح بانّهم قدّيسين أو مُقدَّسين حتى عندما كتب لأهل كنيسة كورنثوس , والتي وجد فيها الكثير مما يشين إسم الرب يسوع , قائلاً : " إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَهُمْ وَلَنَا " (1 كور 1 : 2 ) . جميع المؤمنين بالرب يسوع المسيح هم قدّيسين ولذلك فمن واجبهم أيضاً أن يتقدّسوا في سيرتهم وصفاتهم .
يخبرنا الرّسول بالرّسالة إلى العبرانيين " ..أَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ" (عب 10 : 14 ) . هذه القداسة بالمقام . وقوفنا أمام الله غير متعلّق بحالتنا . وكذلك بنفس الرّسالة يقول " مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ " (عب 3 : 1 ) وكما يقول بأنّه صار لنا نحن المؤمنين ".. حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً " (1 كور 1 : 30 ) لأنّه إن إفتخر أحدٌ فليفْتخر بالرّب . كتب أحدهم " القداسة هي تلك العلاقة التي يدخل فيها الإنسان مع الله في المسيح , (أعمال 26 : 18 ؛ 1 كور 6 : 11 ) , حيث موت المسيح هو موضوع مشغوليّتهم , (أفسس 5 : 25 , 26 ؛ كول 1: 22 ؛ عب 10 : 10 ) ".
القداسة العمليّة
يوجد في العهد الجديد ناحية أخرى من القداسة , المتعلّقة بإنفصال المؤمن عن الأُمور والطُّرق الشرّيرة . كما كان الحال في زمن العهد القديم , فقد يكون الإسرائيلي قدّيس شرعاً في مقامه , ولكن حتى الآن لم يتنقّى من النّاحية العمليّة والطّقسيّة . قد تكون هذه حالة المؤمن في العهد الجديد أيضاً . القداسة هي مشيئة الله لكل فرد من شعبه , "لأَنَّ هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا " (1 تس 4 : 3) وهذا هو هدف دعوته لنا بالأنجيل , "لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ " (1 تس 4 : 7 ) . كيف يتم هذا بحياة المؤمن ؟
هذا يعني طريق الإنفصال , في الحياة العاديّة , عن أيّ نشاط عائلي كان أم إجتماعي أم صداقة تشوبها الشبهات ( النّجاسة ) . لقد كان مبدأ العهد القديم , " لا تَحْرُثْ عَلى ثَوْرٍ وَحِمَارٍ مَعاً " (تثنية 22 : 10 ) والعهد الجديد يوضّح بألاّ نكون " تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْم ِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ ؟ " (2 كور 6 : 14 ) القداسة العمليّه تعني الإنفصال عن الشر , في الشهوة , الدّافع والعمل , عن " العالم " الّذي هو عداوة لله ومسيحه . لأنّ كل ما في العالم هو : شهوة الجسد , شهوة العيون وتعظُّم المعيشة . والقداسة تعني أيضاً الإنفصال عن المعلّمين الكذبة أواني الهوان , (2 تيم 2 : 20 ) . الإنفصال لا يعني عدم وجود أيُّ صلة بالأشرار في العالم أو بالكنيسة , بل يعني عدم التّواطُؤ والموافقة على الشّر , " لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ " (يوحنّا 17 : 15 ) , الفشل في الإنتباه لهذا الحق أفرز النّظام النُّسْكِي , الغريب عن تعليم وروح المسيح . ماذا نعمل إذا أخطأنا ؟ " .. .فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ " ( 1 يو 2 : 1 ) , " ِبمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ" ( مزمور 119 : 9) . لقد إحتاج الكاهن وهو في الخيمة للمذبح والمرحضة ليتطهّر كذلك أيضاً المسيحي "... أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ " ( أفسس 5 : 25 , 26 ) .
النُّمُو في القداسة
إنّها مشيئة الله أن يسعى المؤمن بحرارة وعدم زيغان وراء " السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ " ( عب 12 : 14 ) . القداسة العمليّة وتقديس الحياة , هي ضروريّة لرؤية الله . العديد من المؤمنين يرون القليل من الله , في أحوالهم وأحزانهم , بشؤون العالم والأُمور اليَوْميّة لأنّهم يعرفون القليل عن القداسة العمليّة . ليست القداسة فِعْلٌ سريع ولكنّه نموّاً ثابتاً بالنّعمة كثمر لطاعة كلمة الله واُلإقتداء بالمسيح , بقوّة الرّوح القدس . يُؤدّب المؤمن أحياناً ليشترك في قداسته ( عب 12 : 10 ) , عليه تقديم جسده كذبيحة حيّة مُقدَّسة مقبولة لدى الله , ( رومية 12 : 1 ) عليه أن يتغيّر إلى شكل يسوع المسيح يوماً بعد يوم ( 2 كور 3 : 17 , 18 ) وأن يحسب نفسه ميّتاً عن الخطيّة وحيّاً لله ( عب 12 : 14 ) . يا ليت يهبنا الله كل هذا لكي ننمو به .
القداسة الكاملة والمرجوّة
" لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ " ( أفسس 5 : 26 , 27 ) .
" أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ " ( 1 يوحنا 3 : 2 ) .
هَل يَسْتَطيـعُ ٱلـرَّبُّ بِي أنْ يَصْـنَعَ ٱلْعَـجـائِـبَ
وَإنْ طَـلَـبْـتُ تَكْريسي هَلْ يَسْتَجيبُ ٱلطَّـلَـبَ
نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ يَقـولُ رَبُّـنـا تَـقَـدَّسُـوا لِلْـعَـمَـلِ
غَـداً سَـأعْـمَـلُ بِـكُم فِي وَسْطِكُمْ عَجَـائِبِي