التّبْرير
يُعتبر التّبرير من أحد أهم الحقائق الإنجيليّة على الإطلاق . لا يمكن تقدير أهميّتهُ بدقّة. تناثرتْ المراجع عن هذا الموضوع على طول الكتاب وعرضه , بعهديْهِ . إنّ الفعلَ " dicaioô " مذكور 13 مرّة في رومية , 8 مرّات في غلاطية , 3 مرات في يعقوب ومرّة واحدة في كل من تيموثاوس وتيطس .
من هذه المراجع نستطيع أن نقتبس ثلاثة لكي نُبيِّن معنى التّبرير :
" .. لكي تتبرّر في كلامك , وتغلب متى حُوكِمْتَ " ( رو 3 : 4 ) , نقرأ عن الله أنّه " تبرّر " , مشيراً إلى أنّه بار وكل طرقه وأحكامه بارّةً , وذلك بالرّجوع إلى كونه " الله البار" .
" وبالإجماع عظيم هو سر التَّقوى : الله ظهر في الجسد , تبرّر في الرُّوح , تراءى لملائكة , كُرِزَ به بين الأُممِ , أُومن به في العالم , رُفِعَ في المجدِ ." ( 1 تيم 3 : 16 ) . لقد برهنت قيامة الرب أنّه أُدينَ بغير حق – أُنظر أيضاً ( مز 37 : 6 ) . لقد تبرّرت تضرُّعاتِهِ . لقد أُعلِنَ عن برِّه .
" لأنّ ليس الّذين يسمعون النّاموس هم أبرارٌ عند الله , بل الّذين يعملون بالنّاموس هم يُبرّرون " ( رو 2 : 13 ) . لا يمكن إثبات أيُّ تهمةٍ ضد من عمِلَ كلّ وصاياهُ تماماً وبالكامل .فإنّهُ سيُعَلن عنه كَبارْ .
الشّخص البار إذاً هو من تحرّر من أيّ ذنب أو تهمةٍِ , ولذلك فإنّ له وُقوفاً بارّاً أمام الله . إستُعْملَ الإسمَ " dicaioses " مرّتين فقط في الرّسالة إلى أهل رومية . إنّه يُشير الى كلمةٌ قضائيّة , , أو عمل إعلان بِر ( أنظر : قاموس فاين التّفْسيري ) .الكلمة الأخرى " dicaioma " تُذكر 12 مرّة في العهد الجديد , وتترجم بعدّة طُرُق .في ( رو 1 : 32 ؛ 2 : 26 ) , " حكم " , " أحكام " , تُشير الكلمة الى مرسوم حكم أو قضاء أمّا في ( رو 5 : 16 ) فتشير الى إعفاء أو تبرئة من الذّنب . في ( رو 5 : 18 ) فتشير الى فعل التّبرير نفسه . هناك كلمة أخرى مهمّة في إعتبارنا لهذا الموضوع بالذّات : " logizomai " والّتي , بصورتها الخارجيّة , تشير إلى شيءٍ يُضاف على حساب شخص معيّن , والّتي تُرجِمَت في العهد الجديد الى كلمة " حُسِبَ " ( أنظر : رو 4 : 6 , 8 , 23 , 24 ؛ 2 كو 5 :19 ؛ يعقوب 2 : 23 ) . هناك كلمة " ellogao " واُستعملت مرّتين فقط بالعهد الجديد ( رو 5 : 13 ؛ فل 18 ) . لا يمكن إحتساب الخطيّة حتّى جاء النّاموس . مع هذه الكلمات هناك أيضاً كلمة " البر " : " dikaiosume " حيث ذكرت ما لا يقل عن 80 مرّة في العهد الجديد بشقّيْها : التّاريخي والعقائدي . لقد إستُعملَت على سبيل المثال في ( يو 16 : 10 ) . ذُكرَت 35 مرّة في رومية , والتّعبير " كلام البر " ( عب 5 : 13 ) يصلح إستخدامه كعنوان لرسالة رومية .تشير هذه الكلمة , في بعض الحالات , إلى طبيعة البر أو شخصيّة الله ( رو 3 : 24 , 25 ) الطّريقة الّتي فيها تمّ إدانة الخطيّة , بموت المسيح , تُشير الى بر الله ( أع 17 : 31 ) . تشير الآيات الخمسة المذكورة في رومية 6 , الى أسلوب حياة , سلوك بار ( أنظر أيضاً : أف 4 : 24 ؛ 5 : 9 , 6 : 14 ) . نقرأ في ( رو 5 : 17 ) عن " عطيّة البر " وتكلّم عنها لاحقاً " كالهبة المجّانيّة " وفي ( 6 : 23 ) " كهبة الله " هذه هي مضامين الكلمة في مُعظم , وان لم يكن في كل , الأماكن التي ذُكرَت فيها . هذا صحيح في حالة الشّاهدين الّذين إستشْهدَ بهما الرّسول : إبراهيم وداوود .
بعد أن ذكرنا باُختصار المعاني المختلفة المستعملة , علينا الآن محاولة الإجابة على التّساؤل الّذي أثاره أيُّوب " .. فكيف يتبرّر الإنسان عند الله ؟ " ( أيوب 9 : 2 ) . أصبح التّعبير : " تبرير " قانونيّاً , يقتضي وجود ناموس نهائي ونظامي , " ناموس تأييدي " مع بعض التّعابير الواضحة لتفعيله , مع ألأخذ بعين الإعتبار أي مبدأ قد يبدو مناقضاً في الظّاهر .
1. النّاموس النّظامي
ويضم تعابير مؤيّدة ومعرّفة . في الرّسالة الى أهل رومية , العرض الكامل والوحيد للإنجيل الّذي عندنا , يؤسّسه الرّسول على المبدأ المحدّد الّذي به الإنسان يتبرّر . في إقتباس بولس لكلمات حبقوق 2 : 4 " البار فبالايمان يحيا " ( رو 1 : 17 ) يُضفي عليها طابع النّهائيّة , وإن كانت قد إقتبِسَت 3 مرّات في العهد الجديد , نرى كل مرجع يشدّد على أمر آخر ( رو 1 : 17 ؛ غل 3 : 11 ؛ عب 10 : 38 ) . القليل جدّاً من الآيات تمّإقتباسها ثلاث مرّات في العهد الجديد , ولكن هذه أحداهنّ . الإيمان إذاً , بحسب هذا المبدأ غير المشروط , وبالتّنافض مع , وبالإستقلال عن , أعمال النّاموس , هو الطّريق , الطّريق الوحيد , الّذي فيه يتبرّر الإنسان أمام الله .لقد تأسّس هذا على الجملة المؤيّدة في ( تك 15 : 6 ) والّتي تمّ إقتباسها 4 مرّات في العهد الجديد " آمن إبراهيم بالله وحُسِبَ لهُ ذلكَ برّاً " ( رو 4 : 3 , 9 ؛ غل 3 : 6 ؛ يع 2 : 23 ) .
2. النّاموس الظّرفي ( المؤقّت )
قام بولس بتأسيس جملته على أنّ برّ الله , بإستقلال عن النّاموس , " ظهر مشهود له من النّاموس والإنبياء " , يستشهد بولس بشاهدين : إبراهيم من كتب النّاموس , وداوود من الإنبياء . يُمثِّل هذان الإثنان قِسْمَيْ الجنس البشري : الأُمم واليهود . تبرّر إبراهيم قبل إعطاء النّاموس بفترة 430 سنة , و25 سنة أو أقل قبل إختتانه . إختتن عندما ناهز 99 سنة . في ( رو 4 : 1 – 8) , مثّل إبراهيم الأمم غير المختتنين , أمّا داوود فمثّل الإسرائيليّين المختونين . ولكن في ( رو 4 : 18 ) كإنسان مختون ينتظر تتميم الوعد ؛ فإنّه مثّل إسرائيل الّذي كان ينتظر المسيّا . في ( يع 2 : 21 ) المرجع هو لجبل المُريّا , عندما كان رجاؤه أنّ الله سوف يُقيم إسحاق من الموت . هناك هو يمثّل التّلاميذ المُخْتَبَرين ( لو 24 : 21 –35 ) . لقد إعترف داوود بآثمه , ذنوبه وخطاياه , نفس الكلمات الّتي إستعملها رئيس الكهنة في يوم الكفّارة العظيم . لقد خصّص قيمتها الكفّاريّة بالإيمان . الكفّاره هي إذاً أساس التّبرير أمام الله ( لو 18 : 13, 14 ) .
في ( رو 4 : 25 ) نرى المسيح قد أُسلِمَ لأجل ذنوبنا , لذلك فإنّ تّبرير رو 5 : 1 يشابه تبرير داوود . أي , الخطايا المرتكبة والذّنوب التّي سقطوا فيها .
أمّا في ( رو 6 : 7 ) , نقرأ عن تحريرنا أو تبريرنا من الخطيّة , الخطيّة الّتي إرتكبها الواحد , آدم , فجميعنا إعْتُبِرْنا خُطاة , وتحت الدّينونة . وبصورة مشابهة , بِعَمَل تبرير الواحد , فِعْل طاعة الواحد , الرب يسوع المسيح ( في 2 : 8 – 11 ), عمّت الهبة المجّانيّة لتشمل الجميع من خلال تبرير الحياة , والمؤمن يُظْهَر بذبيحة المسيح , دفنه وقيامته . إنّه لا يرى فقط أنّ خطاياه قد وُضِعَت على بديلِهِ , بل هو قد تبرّر من أيّ ذنب . إنّه يرى نفسه المجرم الّذي صُلِبَ , ولذلك فإنّ عقاب النّاموس الأقصى قد تمّ
بالكامل في شخص الواحد , الّذي إتّحد معه , وهو حاسباً ذلك كحقيقة قضائيّة ( رو 6 : 11 )
3. المبدأ المُناقض ظاهريّاً
للمبدإ الّذي سبق وذكرناه سابقاً . يُصِر يعقوب على أنّه " بالأعمال يتبرّر الإنسان وليس بالإيمان وحدهُ " , بما أنّ يعقوب ويوحنّا كليهما كتبا بوحي الرّوح القدس , فمن المستحيل أن يكون هناك تناقض . يجب أن يكون هنا إنسجام تام . تظهر كلمتي إيمان وأعمال مرّات عديدة في رسالة يعقوب . فكلمة إيمان تظهر 10 مرّات وكلمة أعمال 13 مرّه . يتكلّم يعقوب عن ممارسة الإيمان , الغني بالأعمال , عن صلاة الإيمان ولذلك لا يوجد هناك خفض من مستوى الحق والإيمان الحي . إنّه يُدين الإيمان الميّت , العقيم والفاسد , والّذي هو مجرّد جيفة . يكتب لنا يعقوب مثالاً من الحياة والطبيعة ليشرح لنا هذا ( يع 2 : 14 –20 , 26 ؛ لو 16 : 19 – 21 ؛ 18 : 11, 12 ) يُدِين يعقوب إيمان اليهود التّقليدي العقيم . إنّه يمدح إيمان المؤمن الحقيقي كما يراه في إبراهيم وراحاب . كانت أعمالهم ثمر إيمانهم الحقيقي . لم يُرَ قط ما فعلوه أمام النّاس , ولم يُمدَحوا من النّاس على ما فعلوه . لقد كانت أعمالهم , أعمال الإيمان , والّتي قدّرها الرّسول بثمن عال , في رسالته الى أهل تسالونيكي . لذلك فإنّ البوق الفضّي , الّذي ضرب به بولس ويعقوب متناغمينِ معاً .
للتّلْخيص , فإنّ حق التّبرير قد أظهرَ :
سلطة الله المطلقة ( رو 3 : 26 ؛ 8 : 33 ).
المبادلة والنّيابة بالمسيح ( غل 2 : 17 , 20 ) .
الذّبيحة بعمله الكفّاري – بدمهِ ( رو 3 : 25 ؛ 5 : 9 ) .
القضائيّة أو القانونيّة بقيامته ( رو 4 : 25 ؛ 8 : 34 ) .
المجّانيّة الّتي بالنّعمة ( رو 3 : 24 ) .
الوسيلة : بالإيمان ( رو 5 : 1 ) .
البرهان الّذي بالأعمال – أعمال الإيمان ( يع 2 : 14 – 26 ) .
الكتب القانونيّة تُؤكّد أنّ المؤمن يتبرّر حالاً بعد إيمانه ( تك 15 6 ؛ لو 18 : 13 , 14 ) , إنّه يتبرّر مجّاناً ( رو 3 : 24 ) , بالتّمام ( أع13 : 38 , 39 ) , نهائيّاً وأبديّاً ( رو 8 : 33 , 34 ) , وأكثر من ذلك فإنّ التّبرير لا يتقدّم أو ينمو . كل المؤمنين يتبرّرون بنفس الطّريقة ولنفس الدّرجة , لأنّ المسيح برّنا , وبرّ الله قد عُمِلَ بالمؤمن