ألإيمان
لقد وُصِفَ الإيمان بكونه " الثّقة الشّخصيّة للنّفس المُنْهضة , على أرضيّة الحق والوعد الإلهي ". لذلك لا يوجد هناك مكان , في الإيمان , للحكمة البشريّة, الثّقافة والمنطق . لأنّ على الإيمان أن يرتاح بالكلّيَّة والتّمام على عصمة الله عن الخطأ وكلمته كذلك .
لقد آمن الآباء بالكلمة المقولة لهم شخصيّاً على يد يهوة , كان على بني إسرائيل أن يؤمنوا بكلمات قالها موسى , وبعد ذلك الأنبياء , وبمرور السّنين بالكتب المخطوطة للعهد القديم . آمن أولئك الّذين من التّدبير السّابق بكل الكتب القانونيّة , الّتي إحتوت على إعلان فكر الله الكامل والنّهائي .
من الممكن قبول, بدون أسئلة , سجل الأحداث الماضية والّتي هي أعمق من إدراك البشر , فقط بقبول تام لحق كلمة الله بإتّكال تام وساذج على الرب , وبنفس الوقت الإرتياح بثقة على وعود الله المتعلّقة بالمستقبل , لذلك نحن نقبل أنّ العالمين قد أُتقِنَت بكلمة الله الخارجة من فمه . على العلم أن يلائم نفسه مع هذه الحقيقة . وإن لم يفعل , فنحن نقبل شهادة الكتب وليس حكمة البشر .
الإيمان وليس المنطق هو أساس كل علاقة مع الله "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرْضاؤُهُ , لأنّه يجب أنّ الّذي يأتي إلى الله يؤمن بأنّه موجود , وأنّهُ يُجازي الّذين يطلبونهُ " ( عب 11 : 6 ) .
هذه الحقيقة واسعة المدى جدّاً : تُغطِّي الخاطيء والقدّيس سويّةً . كل من أراد أن يُرضي الله , عليه أن يتجاوب مع كلمته . لقد أُحضِرَت كلّ نفس لعلاقة مع الله الثّالوث القدّوس وتباركت على أرضيّة الأيمان وليس على الأعمال إطلاقاً .
كل مؤمن سبّب الفرح للرب , عمل ذلك من خلال الإيمان , إيمان الّذي هو أساس كل أعماله .
الإيمان في العهد القديم
نجد كلمة " إيمان " ( أمانه ) مرّتين فقط في العهد القديم : (حب 2 : 4) والّتي إقتبسَت ثلاث مرّات في العهد الجديد , و(تث 32 : 20 ), مع أنّ (عب 11 ) يوضّح أنّ أفاضل تلك الأيّام عرفوا الكثير عن الإيمان .لم يكن الإيمان هو الأساس لعلاقتهم بالله فقط , بل أيضاً ميّز حياتهم اليوميّة . أول ذكر للفعل آمن موجود في ( تك 15 : 6 ) , وثبتت أهمّيّته من إقتباسه في (رو 4 ويع 2 ) .
إبراهيم , رجل تقدّم به العمر وشاخ , أخبره يهوة أن ينظر إلى السّماء , المرصّعة بنجومٍ لا تُحصى , وسمع كلمات خطيرة : " هكذا سيكون نسلك " وإن كان هذا مستحيل بحسب المنطق البشري , لأنّه وزوجته قد حسبوا أمواتاً جسديّاً , وآمن إبراهيم بما قيل , فقط بسبب الّذي قال هذه الكلمات . كان عنده ثقة كاملة بأنّ إلهه قادر أن يعمل أيّ شيء مستحيل بشريّاً .بسبب فعل الإيمان هذا إستحقّ لقب " أبو المؤمنين " .
الإيمان في العهد الجديد
فليس غريباً إذاً أنّه إقتُبِسَ في (رو 4 : 3) ليقرر الحق : بأنّ الإيمان فقط هو الوسيلة الوحيدة الّتي من الممكن الرب القدّوس أن يبرّر الخاطيء . بكلمات أخرى , على الخاطيء أن يدرك عدم مقدرته على معالجة مشكلة خطيّته , كإبراهيم تماماً الّذي عرف عدم مقدرته على إنجاب الأولاد . على الخاطيء إذاً أن يعترفَ بما قاله الله فيما يتعلّق بالمخلص , الرب يسوع المسيح , تماماً كإبراهيم الّذي آمن بالله . الرب الّذي مات على صليب الجلجثة , وهو الوحيد الّذي كان بلا خطيّة على هذه الأرض , محتملاً دينونة الله القدُّوس من إجل خطيّة العالم . على الخاطئ أن يؤمن بكفاية موت الرب لمعالجة خطاياه . عندها فقط ينال الغفران , بالتّوبة لله , والإيمان بالرب يسوع المسيح . بفضل فعل إيمان كهذا , يحسب الله الخاطيء بارّاً . هذا إيماناً مُخلِّصاً مذكوراً في الإنجيل ومؤيّداً بالعجائب الشّفائيّة , عندما قيلت الكلمات " إيمانك قد خلّصك " ( لو 8 : 42 ) .
الإيمان شأن حياة
ألإيمان المخلّص أصبح من مميّزات حياة المؤمن الخاصّة والثّابتة , وليس ليوضعَ جانباً بعد الخلاص . لقد تبرّرنا مرّة بالإيمان لكي نعيش باقي حياتنا بالإيمان .يجب أن يكون هو المرشد المبدئي لحياتنا , مطبّقين إيّاه على كل نواحي حياتنا اليوميّة. لقد مكّن الإيمان أخنوخ , والّذي لم يرَ يهوة قط , بقبول حقيقة وجوده والحياة بمحضره , كما وكأنّه مرئي . لذلك مذكور أنّه سار مع الله ( تك 5 : 22 , عب 11 : 5 ) الإيمان هو الّذي مكّن الآباء من العيش كغرباء ونزلاء , لأنّهم قدّروا حقيقة مدينة الله الّتي أعدّها لهم , هكذا أيضاً أفاضل آخرين من العهد القديم , الّذين تألّموا كثيراً , بأيدي أُناس ٍ أشرار كان لديهم إيماناً بشخصه . هذه وحده مكّنهم من الإحتمال . لم يكن بهم شيء : شخصيّاً , عقليّاً أو جسديّاً , الّذي منحهم القوّة لإحتمال المشقّات , إلا إيمانهم السّاذج . إنّ سجل الرّجال والنّساء في عب 11 هو سجل الإيمان . لقد جائوا من كل نواحي الحياة , وبكل فترة تاريخيّة . لقد وهبهم إيمانهم ثقةً بالله , مكّنهم من إدراك , حتّى قبل كتابة العهد القديم , حقائق ثمينة مثل : البديل , التّغيُّر دون موت , شخصيّة النّزيل , القيامة من الأموات , والتّقييم الصّحيح للمجد الأرضي بالمقارنة مع غنى السّماوي غير المرئي .
هكذا أيضاً مؤمني هذا التّدبير حُثُّوا على تثبيت أنظارهم , من الأرض , على الرب المقام الذي هو " رئيس الإيمان ومكمّله " ( عب 12 : 2 ) لقد ترك لنا الرب كإنسان مثالاً كاملاً . لقد تمّم إيمانه بالله من بيت لحم حتّى القبر " لأنّك أنت جذبتني من البطن , جعلتني مطمئنّاً على ثدْيَيْ أُمِّي" , " لأنّك لن تترك نفسي في الهاوية , لن تدع تقيّك يرى فساداً " ( مز 22 : 9 , 16 : 10 ) مختبراً حياة الإيمان , بأمورٍ تفوق كل تصوّر . أمّا عند التّجربة فهو قادر على إعانتنا , بمقدار سعينا لإتّباع مثاله .
الإيمان شأن ممارسة
أكثر من ذلك , فالإيمان هو عملي بكل معنى الكلمة . إذا إمتلك المؤمن إيماناً صحيحاً بالله الحي , سيُرى تأثير ذلك في تصرّفاته . لذلك يشدد يعقوب على أنّ الإيمان يبرهن نفسه بأعماله , وإلا فلا يكون هناك إيماناً حيّاً . هنا , مرّة أُخرى , إيمان إبراهيم , كما مدوّن في (تك 22 ويع 2 : 17 – 26 ) , هو المثال .
على الإيمان أن يسود في هذه الحياة , بسبب متطلّبات الإيمان بالله غير المرئي . عندما نعرف كما عُرِفنا , فالإيمان سيُخلّي مكانه للعيان . لذلك فُرَصُنا لممارسة الإيمان محدودة لحياتنا الحاضرة . ليس عجباً أن يحث بولس تيوثاوس , رجل الله , على إتّباع ( حرفيّاً : تعقُّب إثر ) البر والتّقوى والإيمان ( 1 تيم 6 : 11 ) .
الإيمان ينمو فقط إذا وضِعَ تحت الإمتحان . ثقته بالرب بالأشياء الصّغيرة , ستشدّد إيمان المؤمن فيتشجّع على الثّقة به أكثر . هذا ما يمجّد الله , لأنّ إمتحان إيماننا سيزيد من ظهور مجده في اليوم الآتي عند ظهور ربّنا في القوّة والمجد ( 1 بط 1:7).
يظهر بوضوح ممارسة الإيمان بسير بطرس على الماء ( مت 14 : 29 ) . أطاع كلمات سيّده واضعاً كل الدّعم البشري جانباً ( السّفينة ) واثقاً بسيّده , أن يلاقي حاجاته , في ظروف مستحيله بحسب المنطق البشري والعلم , وعلى الرّغم من وجود " إيمان قليل " و " شك " في الآيات التّالية .
الإيمان الّذي نتحدّث عنه هنا يختلف عنه المذكور في (تيطس 1 : 13 ), والذي يرجع الى كل الحق المعلن الموجود في الكتب : والّذي هو موضوع إيماننا .