حريّة العبادة
مقدّمة
نرى في كورنثوس الأولى الإصحاح 14 , إرشادات أساسيّة ( وواضحة تماماً )
بالنّسبة لكيفيّة التّصرُّف " مَتَى اجْتَمَعْتُمْ " مُشيراً الى ثلاثة
مقاييس يجب إستخدامها عند الحديث عن أي خدمة جمهوريّة في الإجتماع :
البنيان : وهذا هو أساس وأوّل كل شيء : كل فعل في الإجتماع لايأتي بمثل
هذه النّتيجة يجب إيقافه حالاً " فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ
" ( عد 26 ) .
التّرتيب : لمنع أي فوضى أو فرصة للجسد أو ثغرة لإبليس " اللهَ لَيْسَ
إِلَهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلَهُ سَلاَمٍ " ( عد 33 ) .
الخضوع : لمنع أي تسابق في الإجتماع وترك الفرصة أمام روح الله ليعمل
بحريّة " وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاء ِ" ( عد
32 ) .
السند الكتابي
لا يتطرّق العهد الجديد – لا من قريب ولا من بعيد – لموضوع نمط العبادة
. ويعتبر هذا , بحسب رأيي , مؤشّراً عمليّاً قويّاً بأنّ هذا الموضوع
قد تُركَ لإرشاد الرّوح القدس لكلّ جماعة محليّةٍ حتّى تصل , بالممارسة
, الى نمط العبادة الأفضل , حيث تجد المجال الّذي تعبّر فيه عن العبادة
الرّوحيّة ( وهو الموضوع المذكور عنه في الكتاب : " للَّهُ رُوحٌ .
وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ
يَسْجُدُوا " ( يو 4 : 24 ) , والله بالفعل طالب مثل أولئك السّاجدين
الحقيقيين) . نستطيع أن نقول بكل ثقة , أنه لا يوجد هناك نمط عبادة
كتابي أكثر من غيره , ويجب ألا يكون هذا موضوع خلاف أو جدل بين تيّارات
المؤمنين . الشّرط الوحيد والضّروري المطلوب هو : أن تتوفّر بهذا
النّمط الحريّة الكافية لعمل روح الله في هذه الجّماعة . يقول بولس
الرّسول "وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ
هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ..وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ
بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ
الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ
الرُّوحِ " ( 2 كو 3 : 17 ) , إنّ الحريّة الّتي يتكلّم عنها هنا هي
حريّة العمل لروح الله في قلوب المؤمنين ليكشف لهم , عند خدمة الكلمة
أو قرائتها , عن مكنونات الرّب يسوع المسيح وأمجاده كما تتراى من خلال
الأسفار وهدفها , ليس الإزدياد في المعرفة فقط ( وهي بركة رائعة يتبعها
مسؤوليّة عظيمة ) , ولكن أيضاً التحوّل الى صورة ذاك : من مجد الى مجد
بالرّوح القدس السّاكن فيهم , ولا يتكلّم مطلقاً عن حريّتنا نحن في
إختيار ما شاء أو طاب لنا من منطلق الإستحسان الجسدي , أو سحر الألحان
وبلاغة الكلمات .
عالم ذو قطبين
إنّ العالم في منظور الكتاب المقدّس ثنائي الأقطاب : بمعنى تشديد
الكتاب على إنقسام العالم على جميع مستوياته الى قطبين متناقضين ,
يتواجد الإنسان في إحداهما فقط ( ومن المستحيل أن يتواجد في الإثنين )
فنقرأ عن :
الأجانب البنون ( مت 17 : 26
اليوناني اليهودي ( غل 3 : 28 )
الجارية الحُرَّة (غل 4 : 22 )
الغرلة الختان ( كو 3 : 11 )
العبد الحر ( 1 كو 12 : 13 ...)
( هناك أيضاً : ذكر وأنثى ؛ بربري سكيثي ؛ صغار وكبار ؛ أغنياء وفقراء
)
في الولادة الطّبيعيّة نكون في الجانب الأيمن من الجدول السّابق ,
والوسيلة الوحيدة للإنتقال الى الجهّة الأُخرى هي عن طريق الإيمان
بالرّب يسوع المسيح , وتسليم ذاتك له بالكامل , وهي أيضاً طريق
التّحرير : عمل المسيح المباشر ( يو 8 : 33 ) وهو التّحرير الحقيقي
الوحيد ( عدد 36 ) ويتأتّى فقط بمعرفة الحق وثباتنا في كلمته ( عدد 38
) , وهذا أصبح ممكناً فقط بفضل موت الرب يسوع المسيح على عود الصّليب
ليفدينا من لعنة النّاموس ( الخطيّة ) ويدخلنا في علاقة جديدة الى
ناموس الحريّة ( يع 1 : 25 ) , وحصولنا على الحريّة هو ثمر بنويّتنا
للرب ( رو 6 : 18 ) .
الثّبات والثَّمر
إنّ الحريّة الّتي وهبنا إيّاها الرب هي عطيّة من عنده لا نستحقّها ,
ولكن من واجبنا نحن , الثّبات في هذه الحريّة والّتي هي مسؤوليّتنا فقط
( غل 5 : 1 , أ ) , والخطر الدّائم هو في إرتباكنا بنير عبوديّة أو
الرجوع الى الأركان الضّعيفة , واجبنا الإنتباه إليه , وإلا فمن الخطر
أن نُخطئ الهدف الّذي من أجله حرّرنا الإبن : أن نُثمر للقداسة , وهذا
ممكناً فقط عندما نثبت فيه ( حتّى يدوم هذا الثّمر ).
الوجهة الأخرويّة
ليس أنّ لنا فقط الثّمر في الحياة الحاضرة , بل نُعطى أيضاً الحياة
الأبديّة بملء صورتها في النّهاية ( رو 8 : 22 , ب ) إنّ التّحرير
والعتق سيعم كل الخليقة المستعبدة للفساد والّتي أُخضِعَت للبطل بسبب
خطيئة الإنسان بل وأكثر من ذلك نراها تئن متوجّعة ومتمخّضة لذلك اليوم
عند إفتداء أجسادنا .
المخاطر المحتملة
قد يستغل المعلّمين الكذبة ( غير المؤمنين ) المندسّين بيننا ( بفضل
الحريّة المعطاه لنا منه ) الحريّة كسُتْرةٍ للشر ( 1 بط 2 : 16 , أ )
بدسّهم إنتقادات هدّامة , وبدع هلاك مغلوطة , لهدم السّامعين , أو , أن
تتحوّل هذه الحريّة لبعض المؤمنين , فرصة للجسد لتأخذ دوراً في الخدمة
( أو العبادة ) , ويتم إستغلال الآخرين لأهداف خاصّة ( وإستعبادهم
لأطماع مختلفة ) .
فالخطر العام هو عدم الثّبات في ناموس الحريّة الّذي دُعينا إليه ,
وبحسبه سوف نحاكم أيضاً ( يع 1 : 25 ؛ 2 : 16 ) ونخضع لناموس الأركان
الضّعيفة ثانيةً .
حريّة إختيار التّرانيم
رأينا إذاً أنّ " حريّة العبادة " تتعلّق بالمؤمن نفسه , وليس بالنّمط
الّذي يعبد به الرّب . على المؤمن الّذي يريد أخذ دوراً جمهورياً في
العبادة : أن ينقاد بالرّوح , ليس في وقت الإجتماع فقط , بل أيضاً كل
أيّام الأسبوع . قيادة الرّوح في الإجتماع تتم من خلال المؤمنين
الموجودين , وليس هي أمراً سريّاً أو مبهماً أو غامضاً . إنّ حريّة
إختيار التّرانيم لا يعني حريّة العبادة , بل التّرتيب في إختيار
التّرانيم هو الّذي يمنع , قدر الإمكان , أن يتّخذ الجسد فرصة وتلقى
كامل المسؤوليّة على عاتق ذاك الأخ الّذي يقود الإجتماع . حريّة عمل
الرّوح مازالت مضمونة , ولكن تفعيل ذلك يتم بترتيب , وكل بحسب دوره .