مناقشة في الشّركة
لقد قرأنا سابقاً عن مجموعة من الشّباب يتناقشون في موضوع "العمّاد" ننضم إليهم ثانيةً لنراهم منهمكين بالحديث عن أمر هام جدّاً : " الشّركة " . يقرأ أحدهم من أع 2 : 41 , 42 " فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَ\عْتَمَدُوا وَ\نْضَمَّ فِي ذَلِكَ \لْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ...وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ \لرُّسُلِ وَ\لشَّرِكَةِ وَكَسْرِ \لْخُبْزِ وَ\لصَّلَوَاتِ " إتّفقوا جميعاً بأنّ هذا إشارة واضحة بضرورة الشّهادة الحسنة , بالعمّاد لكل المؤمنين , والّذي يجب أن يتبعه حياة تسير بموجب مباديء العهد الجديد , بالإشتراك مع مؤمنين آخرين . لم يكن هناك مؤمنين " إنعزاليّين " أو " أحرار " في فكر الله لشعبهِ . عند الإستمرار بقراءة الفقرة نقرأ بيقين أنّه في الأيّام الأولى للكنيسة " وَجَمِيعُ \لَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعاً وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكا " . بهذه النّقطة بالذّات و كان هناك الكثير من النّقاش , عن مدى إمكانيّة تطبيق هذا الأمر اليوم , أو تحبيذ التّمسُّك بالممتلكات المشتركة , والقول "الأَمْلاَكُ وَ\لْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ \لْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ \حْتِيَاجٌ " ," هل كان هذا إشتراكيّة ؟ " , تجرّأ أحدهم على السّؤال ؛ إجابة سريعة جائت من بعض الأصدقاء , بأنّ هذا فعل عطاء تطوُّعي , وليس أمر الدّولة . هذا لا يشبه الإشتراكيّة السّياسيّة لهذه الأيّام . لقد كان واضحاً , وكلّما إستمرّ النّقاش , أنّ موضوع " الشّركة " في العهد الجدّيد يُغطِّي نواحي عديدة من الحق , واُقترح بعمل تلخيص أوّلي للحقائق للمساعدة على الفهم . هناك أربعة مواضيع تبرز من الكتب الّتي قُرِأَت , والأفكار الّتي عُبِّرَ عنها , وهي كالتّالي :
1) الشّركة تلمّح لشرط
ليس الموضوع , مبدئيّاً , الإنضمام الى أيّ دائرة أو أخويّة أو إتّحاد كنائس أو إجتماع , بل هو أنّ كل المؤمنين مدعوّوين " إِلَى شَرِكَةِ \بْنِهِ يَسُوعَ \لْمَسِيحِ رَبِّنَا. " ( 1 كو 1 : 9 ) . هناك شراكة مع ربّنا يسوع المسيح نفسه , والّتي هي حيويّة وأبديّة . يخبرنا ألكتاب أيضاً أنّ " لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ \لآبِ وَمَعَ \بْنِهِ يَسُوعَ \لْمَسِيحِ " (1 يو 1 : 3 ) . القبول في الشّركة هو التّرحيب بإسم الرّب يسوع المسيح لأولئك الّذين قد تمّ قبولهم قبلاً للشّركة مع إبنه , لذلك كتب بولس قائلاً " لِذَلِكَ \قْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ \لْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا لِمَجْدِ \للهِ" ( رو 15 : 7 ) . مع ذلك , نلاحظ إمكانيّة وجود شركة مع مؤمنين , خارجيّاً , ولكن روحيّاً أن تكون " بلا شركة " . يكتب يوحنّا ثانيةً عن هذا الموضوع قائلاً : " إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي \لظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ \لْحَقَّ..وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي \لنُّورِ كَمَا هُوَ فِي \لنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ \لْمَسِيحِ \بْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ " ( 1يو 1 : 6 , 7 ) . في 1 كو 5 , الإنسان الّذي كان عائشاً في الخطيّة كان " بلا شركة " مع الله , وبعد ذلك أُبعِدَ عن شركة المؤمنين . هل نحن ثابتين في " الشّركة " ؟
ثانياً , لنلاحظ بأنّ
2) الشّركة متعلّقة بالشّراكة
وحدة وشراكة هما حقيقتان متميّزتان . الوحدة مع المسيح هي أبديّة ومضمونة , وهي لنا في بالإيمان , أمّا الشّراكة فمن المحتمل أن تنقطع بسبب الخطيّة وترجع بعد النّدم والإعتراف . أمّا فيما يختص بالشّركة مع غير المؤمنين , فالموضوع واضح ومباشر في الكتاب : " لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ \لْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَ\لإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ \لظُّلْمَةِ؟..وَأَيُّ \تِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ \لْمُؤْمِنِ؟ " ( 2 كو 6 : 14 , 15 ) .هنا , فحص كل واحد قلبه ومدى شراكته في العمل , الصّداقة , الإلتزام للبيت وللدّولة . كل هذه الامور تحتاج للكثير من الصّلاة والتّفكير , وعدم اخذ الأمور بخفّة أو إستخفاف حيث نتائجها مأساويّة . في هذه المرحلة من النّقاش , السّؤال الّذي برز هو : إلى أيّ مدى يستطيع المؤمن أن يكون بشركة مع مسيحيّين آخرين ذوي إعتقادات تختلف عن إعتقاداتك أنت ؟ كان هناك إجماع بأنّ هناك أمور ذات شأن لضمير الشّخص , ويجب عدم فرضه على الآخرين . الله هو الدَّيّان في مثل هذه الأمور وأمامه نقف أو نسقط . مع ذلك , إذا شعر شخص حريّة بعمل هذا أو ذاك , يجب التَّثقُّل بالحمل لعمل كل شيء لمجد الله وعدم إعطاء ذريعة لغير المؤمنين أو حتّى للمؤمنين (1 كو 31 – 31) ( أنظر خاصّة رو 14 : 1 – 15 : 7 ؛ 1 كو 8 : 1 – 11 : 1 ) .
إنّ إرجاع سبب التفكّك الأسري لكونه " لا شّركة " يعتبر إدّعاء لا أساس له وهو تقليد ساخر للحق . الرب نفسه قد أعلن : " إِذاً لَيْسَا بَعْدُ \ثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ \للَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» " ( مت 19 :6) والويل لمن يفعل هذا ! ونقرأ أيضاً في (1 كو 10 : 16 ) " كَأْسُ \لْبَرَكَةِ \لَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ \لْمَسِيحِ؟ \لْخُبْزُ \لَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ \لْمَسِيحِ؟ " . لقد ذكر أوّلاً " الكأس " قبل الرّغيف وقال واحد من الأصدقاء أنّ هذا هو التّرتيب في إختبار المؤمن . القوّة المخلّصة لموت المسيح الّتي تجعل منه شريكاً كاملاً في جسد المسيح والكنيسة . إختبرنا جميعاً , سبعة أيّام في الأسبوع , كيف أنّ الرب هيَّئ لنا , بغنى , مائدةً في البريّة تجاه مضايقينا , متمتِّعين بعطاياه وبالشّركة معه في المسيح , ومع كل من يتشارك على نفس المائدة , من خلال نعمته .
في العبادة بعشاء الرب , كما في الشِّهادة بالعمل , مبدأ وأساس الشّركة صحيحاً , وبنفس المقدار . في الأولى نتذكّر الرب يسوع بالشّركة مع مؤمنين آخرين , معلنين عن موته حتّى مجيئه , والّذي هو بلا شك , أعظم إمتياز لأولاد الله ( 1 كو 11 : 23 – 26 ) .قال أحد الرّفقاء : " يبدو أنّنا مشغولين كثيراً بإمتيازاتنا , ولكن بالتّأكيد هناك وجه آخر للشّركة " . طبعاً , صحيح , هناك مع كل إمتياز مسيحي , مسؤوليّة متبادلة . هذا قادهم الى النُّقطة الثّالثة , وهي :
3) الشّركة توحي بالمساعد ( الماديّة )
لقد ذكرنا سابقاً أنّ الشّركة تعني : " المشاركة مع .. " ولكنّها قد تعني أيضاً أن" تتشارك بــــــــــــــــــــــــــــ .." . هناك العديد من الآيات والمراجع لهذا الموضوع بالذّات والّتي يمكن تفسيرها على وجه واحد فقط : الشّركة في العطاء . تكلّم بولس إلىكنائس مكدونية كيف إلتمسوا منه " بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ \لنِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ \لْخِدْمَةِ \لَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ " ( 2 كو 8 : 4 ) . مرّة أُخرى نقرأ في ( رو 15 : 26 ) :" لأَنَّ أَهْلَ مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ \سْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعاً لِفُقَرَاءِ \لْقِدِّيسِينَ \لَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ" . وأيضاً في ( 2 كو 9 :13 ) :" إِذْ هُمْ بِاخْتِبَارِ هَذِهِ \لْخِدْمَةِ يُمَجِّدُونَ \للهَ عَلَى طَاعَةِ \عْتِرَافِكُمْ لِإِنْجِيلِ \لْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ \لتَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ " . هذه كانت شركة عمليّة في إحتياجات القدّيسين . يعظ بولس الغلاطيين قائلاً : " وَلَكِنْ لِيُشَارِكِ \لَّذِي يَتَعَلَّمُ \لْكَلِمَةَ \لْمُعَلِّمَ فِي جَمِيعِ \لْخَيْرَات " ( 6 : 6 ) . يشجّع هذا التّقيم العملي للمساعدة الرُّوحيَّة الّتي نحصل عليها من أولئك الّذين يعلّموننا كلمة الله . يذكّرنا كاتب العبرانيين بضرورة " فِعْلَ \لْخَيْرِ وَ\لتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ \للهُ " . لنتذكّر إذاً , أنّ الشّركة تعني العطاء تماماً كما هو الأخذ , وأنّه مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ . أخيراً نلاحظ بأنّ :
4) الشّركة تدعو الى التّعاون
عندما قام التّلاميذ بأمرٍ من المخلّص , بعد ليلة من العناء والخيبة , بإلقاء شباكهم للعمق , وعندها أمسكوا بالكثير , فأشاروا الى شركائهم في السّفينة الأخرى بأن يأتوا ويساعدوهم . هذه كانت شركة حقيقيّة شراكة في إحضار الشّباك وتقاسم البركة . عندما تُلْقى شبكة الإنجيل , هل نتشارك في الصّلاة والعمل ؟ يكتب الرّسول بولس عن إرساليّته للأمم عندما " عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ \لْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، \لْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ \لشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ " ( غل 2 : 9) . لم يكن الرّسل منافسين ولا منتقدين , لصديقهم صيّاد النّاس , وإنّما شركاء وعاملين سويّة .
كتب بولس عن المرأتان الّتي " جَاهَدَتَا مَعِي فِي \لإِنْجِيلِ " ( في 4 : 3) لأنّ خدمة الإنجيل أبعد بكثير من مجرّد الخدمة الشّفويّة لساعة واحدة عللى المنبر , والّذي تُعتبر قمّة العمل التّحضيري من صلاة
وممارسة . آن الأوان لإنهاء النّقاش , واُقْتُرِحَت قراءة مجدّدة للأعداد الّتي تحوي كلمة شريك مع كلمة أخرى :
يوحنا 11 : 16 التّلاميذ رفقائه
أف 2 : 19 رعيّة مع القدّيسين
أف 3 : 6 شركاء في الميراث
أف 3 : 6 شركاء في الجسد
فيل 4 : 3 العاملين معي
1 بط 5 : 1 الشّيخ رفيقهم
رو 16 : 7 المأسورين معي
كو 1 : 7 العبد الحبيب
فيل 2 : 25 المتجنّد معي
كان هناك إجماع على أنّ هذا الموضوع لم يُثري العقل فقط بل هدفت هذه الدّراسة الى ملئ حياة المسيحي بإلتزاماته المفرحة وإلتزاماته الجسديّة . تركت المجموعة المكان وفي قلوبهم سؤال صريح : " هل حقّاً أنا في شركة ؟ " .