كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



جبل صهيون

يعتبر جبل صهيون من أكثر الجبال شهرة في الكتاب , وبصفته هذه لا بد وسنجد فيه مثالا خصبا للدروس الروحية . لقد بنيت أورشليم على أربعة تلال , ولكن جبل صهيون والمعروف أيضا "بمدينة داود " ( 2صم5: 7) هو ذو أعظم إرتفاع بحدود المدينة – بما يقارب 800 متر فوق سطح البحر الابيض المتوسط .
توقع صهيون
لقد كان الهدف من خيمة الاجتماع ان تكون مبنى مؤقت , ملائم لسكنى الله بين شعبه خلال جولتهم في الصحراء : " فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خر 25: 8) . إن قصد الله من هذه الرحلة بأن يتعلم الشعب تقدير يد الله كلية المقدرة باختباراتهم الشخصية بدون أي تأخير غير ضروري بدخولهم الى الأرض . إن الرحلة من حوريب حتى قادش برنيع هي 11 يوما فقط : " أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ حُورِيبَ عَلى طَرِيقِ جَبَلِ سَعِيرَ إِلى قَادِشَ بَرْنِيعَ" (تث1 :2 ) حيث هناك طريق مباشر الى أرض كنعان:"أَرْسِل رِجَالاً لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ ٱلتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيل. رَجُلاً ... فَأَرْسَلهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ. ...فَسَارُوا حَتَّى أَتُوا إِلى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل إِلى بَرِّيَّةِ فَارَانَ إِلى قَادِشَ ..." (عد 13: 2,3,26) . إن الفترة الزمنية التي تنقضي بين تاريخ تجديد المؤمن , وممارسته الوفيرة في الدخول أجواء البركات السماوية في المسيح هي غالبا مدة طويله , ولكن هذا التأخير ليس من صنع الله أو من مسؤوليته . تظهر رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل تسالونيكي (مثلا) أن المؤمنين المتجددين حديثاً تقدموا في الإيمان ( بالنمو الروحي ) بسرعة كبيرة , خلال الوقت القصير الذي قضاه الرسول عندهم . إن إختبار 39 سنه في الصحراء هو بمثابة دينونة ولكن ليست ضمن خطة الله . فقد كتبت هذه الامور لأجل إنذارنا " فَهَذِهِ ٱلأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً وَكُتِبَتْ لِإِنْذَارِنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ ٱنْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ ٱلدُّهُور"(1كو10 :11 ), حتى لا يكون هذا هو إختبارنا نحن . لقد إستمرت فترة 39 سنه في سفري العدد والتثنية : حيث بدأت في سفر العدد 15: 1 – 20 : 1 و 33: 18 – 36 وسفر التثنية 1: 46 – 2 : 1 , حيث قادش هي المركز . تشير تث 8: 2- 4 الى إختبارهم لنعمة الله خلال سنوات القضاء هذه , لذلك فإن مقاصد الله من نحو شعبه في أرض الموعد تعود لتظهر فقط بعد إنتهاء سني القضاء . إن سفر التثنية ينظر الى الامام : الى الوقت الذي فيه سيستقر الشعب في الارض حيث سيتمكن عندها من تتميم مقاصد الله في إقامة مدينة الله . لقد ذكرت الآية : " المكان الذي إختاره الرب ليسكن إسمه فيه " لأكثر من 20 مرة بين تث 12: 5- 31: 11 . إن " المكان " ومحتوياته بقي سراً في سفر التثنية لان " السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا وَٱلمُعْلنَاتُ لنَا وَلِبَنِينَا إِلى ٱلأَبَدِ " تث29 :29 فعلى قلب المؤمن أن يهتم بما قد أعلن في الكتاب . لقد وضع الله قلبه على جبل صهيون ,
ليس كمجرد مكان , بل لانه سيشير مباشرة ورمزيا الى أمجاد المسيح . لقد أعلن هذا المكان ليكون :
1) مكان تقديم الذبيحة
2) مكان إحضار العشور والشركة الإحتفالية بهم ( إص 12 و 14 )
3) مكان الإحتفال بأعياد ومواسم الرب ( إص 16)
4) مكان التمييز بالبصيرة الروحية ( إص 17)
5) مكان قراءة الناموس : " حِينَمَا يَجِيءُ جَمِيعُ إِسْرَائِيل لِيَظْهَرُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلهِكَ فِي ٱلمَكَانِ ٱلذِي يَخْتَارُهُ تَقْرَأُ هَذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ أَمَامَ كُلِّ إِسْرَائِيل فِي مَسَامِعِهِمْ. (تث31 :11 )
لكل الأمور السابقة موازيات روحية محددة في العهد الجديد . ولكن ملء معرفة صهيون يكون فقط بالدخول الفعلي اليها . إن التفسير الحالي يتمركز حول صهيون كالمكان السماوي الذي حصلت عليه الكنيسة : " وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ"(أف2 :6 ) وأيضاً : " بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ"(عب12 :22 ) . لقد كان هذا هو مقصد الله لمجد المسيح , ولكن في العهد القديم لم يكن هذا هو الموضوع المباشر للإعلان ,لقد أظهر كمثل , مبدئيا. لقد إنجلى الحق من خلال رسل وأنبياء العهد الجديد بعد أن أصبح موت وقيامة الرب يسوع حقيقة واقعة .
التأخر في إظهار صهيون
لا يمكن أن نقرر بكل تأكيد خطة الله بالنسبة للأحداث التي قادت الى إختيار الله لمدينة صهيون . إن التأخير من نهاية سفر التثنية حتى السنة الثامنة لملك داود ( أكثر من 400 سنة ) لم يكن تأخير من صنع الله . لقد كان عدم إيمان الشعب هو السبب , حتى عندما دخلوا الأرض فعليا , لم يدخلوا مباشرة الى مقاصد الله فيما يتعلق باختياره ( للمكان الذي سيسكن إسمه فيه ) . إن الروحيات ضرورية جداً – حتى ولو تحت الناموس – للكشف عن فكر الرب . قد يكون المؤمن اليوم ضمن دائرة بركة الكنيسة , ولكن وبنفس الوقت يفشل بإمتلاكه لأفكار الله المتعلقة بالمسيح وكنيسته . إن صفة خدمة المؤمن تتقرر بحسب روحانيته ومدى تقديره للحق الإلهي ( والذي يتضمن حق الكنيسة – ماذا إذا مع الكنيسة الإسمية ؟ ) .
عندما شاخ موسى , إنتدب يشوع ليذهب إثر خطواته , بعد أن تم تحضيره في خيمة الإجتماع أيام صباه : " وَيُكَلِّمُ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَجْهاً لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ ٱلرَّجُلُ صَاحِبَهُ. وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ ٱلْغُلاَمُ لاَ يَبْرَحُ مِنْ دَاخِلِ ٱلْخَيْمَةِ"(خر33 :11 ) ولكن عندما "..شَاخَ يَشُوعُ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ. فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: "أَنْتَ قَدْ شِخْتَ. تَقَدَّمْتَ فِي ٱلأَيَّامِ. وَقَدْ بَقِيَتْ أَرْضٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً لِلاِمْتِلاَكِ"(يش13 :1 ) فلم يجد إنسانا نظير نفسه يتبع خطوات , فقد كان هناك الكثير من الأرض للإمتلاك ولكن الرجل الصحيح لم يظهر بعد في الصورة . إن الله ينتظر لأجل رجال مختبرين لإنجاز خططه . إن التأخير قد يبدو للإنسان مضجر وممل : " وَكَانَ مِنْ يَوْمِ جُلُوسِ ٱلتَّابُوتِ فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ أَنَّ ٱلْمُدَّةَ طَالَتْ وَكَانَتْ عِشْرِينَ سَنَةً. وَنَاحَ كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَ ٱلرَّبِّ "(1صم7 :2 ) , ولكن ألف سنة هي كيوم واحد : " وَلَكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هَذَا ٱلشَّيْءُ ٱلْوَاحِدُ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ"(2بط3 :8 ) . لقد إنشغل الأسباط في توزيع الأرض , وكان اليبوسيون يقطنون أورشليم ( صهيون ) ولم يقدر بني يهوذا على طردهم : " وَأَمَّا ٱلْيَبُوسِيُّونَ ٱلسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو يَهُوذَا عَلَى
طَرْدِهِمْ, فَسَكَنَ ٱلْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي يَهُوذَا فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ" يش15 :63 ( قارن القول المختص ببنيامين : " وَبَنُو بِنْيَامِينَ لَمْ يَطْرُدُوا ٱلْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ, فَسَكَنَ ٱلْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي بِنْيَامِينَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ" قض1 :21 ) . إنها لكارثة عندما يمنع ضعف الجسد من المؤمنين الدخول ملء بركات مقاصد الله والاصعب من ذلك , عندما يتمتعوا بهذه البركات جزئيا جنبا الى جنب بمشغوليات العالم ! ولكن على الرغم من أن ضعف الإنسان يطيل التأخير من جهة الإنسان , فإن الله من وراء الكواليس , يتحرك ويهيء مختاره !
يتكلم كتاب راعوث عن الأيام الباقية " أيام حكم القضاة "حيث" يعمل كل إنسان كما يحسن في عينيه ".نقرأ هناك عن شخصية بوعز , كمثل للرب يسوع المسيح , الشخص الأمين , بين شعب خائن , كالنور في الظلمة الحالكة . لقد أدرك بوعز مشيئة الله لعروسه – تلك المختارة من بين الأمم – الشخص المشارك في حصاد الشعير : " ... وَدَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ فِي ٱبْتِدَاءِ حَصَادِ ٱلشَّعِيرِ"(را1 :22 ) , والقمح : " فَلاَزَمَتْ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي ٱلاِلْتِقَاطِ حَتَّى ٱنْتَهَى حَصَادُ ٱلشَّعِيرِ وَحَصَادُ ٱلْحِنْطَةِ..."(را2 :23 ) مذكرا بأهمية الفصح وعيد الفطير " "قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ وَحَصَدْتُمْ حَصِيدَهَا تَأْتُونَ بِحُزْمَةِ أَوَّلِ حَصِيدِكُمْ إِلَى ٱلْكَاهِنِ"(لا23 :10 ) وعيد الأسابيع أو الخمسين :" مِنْ مَسَاكِنِكُمْ تَأْتُونَ بِخُبْزِ تَرْدِيدٍ. رَغِيفَيْنِ عُشْرَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ دَقِيقٍ وَيُخْبَزَانِ خَمِيراً بَاكُورَةً لِلرَّبِّ"(لا23 :17 ) . نرى هنا مثلاً لموت المسيح , قيامته وتشكيل الكنيسة من خلال إرسال الروح القدس .لقد تمت مقاصد الله بالكامل باتحاد بوعز وراعوث ( المسيح والكنيسة ) : حيث تنتهي لائحة الانساب في نهاية سفر راعوث بداود الملك . إن إختيار داود وصهيون يذهب سوية : " بَلِ ٱخْتَارَ سِبْطَ يَهُوذَا جَبَلَ صِهْيَوْنَ ٱلَّذِي أَحَبَّهُ... وَاخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ ٱلْغَنَمِ"(مز78 :68 -70 ) . إن الإنسان الذي بحسب قلب الله : " .. دَاوُدَ مَلِكاً ٱلَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي ٱلَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي"(اع13 :22 ) هو الملائم فقط لأختيار صهيون :"وَقَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ: "إِنْ حَسُنَ عِنْدَكُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا, فَلْنُرْسِلْ إِلَى كُلِّ جِهَةٍ ..." (1أخ13 :2 ) .ولكن كما يبدو , فإن الوقت لم يحن بعد لنقل تابوت العهد , الذي يرمز الى عرش محضر الله بين شعبه . إن صهيون , داود وتابوت العهد لا يمكن الفصل بينهم , يجب ربطهم دائماً سوية . عن التفكير بهذه الأمور وتفسيرها سيساعدنا جدا . إن أخذ التابوت على يد الفلسطينيين : " وَأُخِذَ تَابُوتُ ٱللَّهِ. وَمَاتَ ٱبْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ. (1صم4 :11 ) هو كما يبدو نتيجة لغباء الإنسان فقد تلاعبوا بالمكانة الصحيحة للتابوت في المقادس : " فَجَاءَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ. وَقَالَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: "لِمَاذَا كَسَّرَنَا ٱلْيَوْمَ ٱلرَّبُّ أَمَامَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ؟ لِنَأْخُذْ لأَنْفُسِنَا مِنْ شِيلُوهَ تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ فَيَدْخُلَ فِي وَسَطِنَا وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا". فَأَرْسَلَ ٱلشَّعْبُ إِلَى شِيلُوهَ وَحَمَلُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ عَهْدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْكَرُوبِيمِ. وَكَانَ هُنَاكَ ٱبْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ مَعَ تَابُوتِ عَهْدِ ٱللَّهِ"(1صم4 :3 -4 ) . ولكن بحسب المزمور فيقول : " وَرَفَضَ مَسْكَنَ شِيلُوهَ ٱلْخَيْمَةَ ٱلَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ. وَسَلَّمَ لِلسَّبْيِ عِزَّهُ وَجَلاَلَهُ لِيَدِ ٱلْعَدُوِّ " (مز78 :60 -61 ) , أي أن الله نفسه هو الذي سلم التابوت ليدي الأعداء. إن هذا التفسير المزدوج لغياب التابوت من مكان سكناه الصحيح متطابق مع الأسباب المعطاه لصلب الرب يسوع المسيح , حيث نرى الله والإنسان عاملان سوية : " هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ"(اع2 :23 ) , لكن الكتاب يستمر في القول " الذي أقامه الله " . قارن ايضاً يونان : " ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْبَحْرِ فَوَقَفَ ٱلْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ"(يون1 :15 ) مع " لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي ٱلْعُمْقِ فِي قَلْبِ ٱلْبِحَارِ. فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ "(يون2 :3 ) . إن تحركات الله من خلال موت وقيامة الرب تشبه الى حد بعيد تحركات التابوت التاريخية . لقد دبر الله أن يرجع التابوت الى قريات يعاريم : " فَجَاءَ أَهْلُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ وَأَصْعَدُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ أَبِينَادَابَ فِي ٱلأَكَمَةِ, وَقَدَّسُوا أَلِعَازَارَ ٱبْنَهُ لأَجْلِ حِرَاسَةِ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ"(1صم7 :1 ) وهناك إعتبر على يد الأقلية هناك , ولم يكن هو في مركز الديانة اليهودية في الخيمة بشيلوه . هكذا أيضاً عندما قام الرب يسوع من الأموات, وقد رجع "ليس لجميع الشعب" بل لبعض المختارين فقط" سبق واختارهم كشهود أمامه : " لَيْسَ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ ٱللهُ فَانْتَخَبَهُمْ. لَنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ"(اع10 :41 ) . مع بقاء التابوت في بيت أبيناداب على التلة : " فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ ٱللَّهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ ٱلَّذِي فِي ٱلأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو ٱبْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ ٱلْعَجَلَةَ ٱلْجَدِيدَةَ "(2صم6 :3 ) , فقد غستمر هذا التاخير كل فترة ملك شاؤول ( لأربعين سنة ) حتى تم غحضار داود – رجل الله – وجبل صهيون سوية أمامنا . إن بيت ابيناداب لا يمكن ان يكون هو مكان الراحة النهائي للتابوت بحسب إختيار الله . لذلك أيضاً مع قيامة الرب يسوع المسيح , حيث بقي كشهادة بين أحبائه ولفترة 40 يوم : " اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَيَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلْأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ"(اع1 :3 ) , غير معروف لكل الجمهور الذي حولهم , الذين إستمروا في عنادهم غير متاثرين من صياح النصرة لقيامته . ولكن القيامة لم تكن هي الهدف النهائي – لقد كان امامه هدفاً اسمى : أرضية الصعود . هذا هو جبل صهيون بارتباطه مع صعود الرب .
إحتلال صهيون
لقد كان داود رجل فعال منقاد بممارسة روحية , ومبرهن كشخص قابل للتعليم منذ صباه . لقد كان عمره عندما مسح من قبل صمؤيل 15 سنه , وقارب الثلاثين سنة عند إعتلائه العرش : " كَانَ دَاوُدُ ٱبْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً " (2صم5 :4 ) , وفي خلال هذه الفترة إختبر بمحضر الله العبادة وعمق الحياة . كم هو ملذ أن نراقب الأعمار المشابهة في حياة الرب يسوع : ففي عمر 12 سنه , أول سجل له في الإنجيل عن كونه لأبيه : " فَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟" (لو2 :49 ) وأيضا في جيل 30 سنه عند إبتدائه خدمته الجهورية : "وَلَمَّا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ بْنِ
هَالِي.."(لو3 :23 ) . كذلك الخكدمة اللاوية تبدا بجيل 30 سنة : " مِنِ ٱبْنِ ثَلاثِينَ سَنَةً فَصَاعِداً إِلى ٱبْنِ خَمْسِينَ سَنَةً كُلِّ دَاخِلٍ فِي ٱلجُنْدِ لِيَعْمَل عَمَلاً فِي خَيْمَةِ ٱلاِجْتِمَاعِ"(عد4 :3 ) . واليوم أيضاً , فإن سنوات النمو في النعمة ضرورية قبل البدء بأي خدمة فعّالة للرب , ولكن هذا درس قاس ومذل للجسد . أدرك داود , بعد سبع سنين ونصف من إعتلائه العرش , مشيئة الله لصهيون . إ، إحتلال صهيون مذكور في 2 صم 5 : 6- 10 .
لقد عانى داود من سخرية اليبوسيين :" وَذَهَبَ ٱلْمَلِكُ وَرِجَالُهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى ٱلْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ. فَقَالُوا لِدَاوُدَ: "لاَ تَدْخُلْ إِلَى هُنَا مَا لَمْ تَنْزِعِ ٱلْعُمْيَانَ وَٱلْعُرْجَ" ,أَيْ لاَ يَدْخُلُ دَاوُدُ إِلَى هُنَا" (2صم5 :6 ) , كما قد قاسى الإستهزاء بيد ميخال إمرأته لاحقاً : " وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ. فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لاِسْتِقْبَالِ دَاوُدَ، وَقَالَتْ: "مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ ٱلْيَوْمَ حَيْثُ تَكَشَّفَ ٱلْيَوْمَ فِي أَعْيُنِ إِمَاءِ عَبِيدِهِ كَمَا يَتَكَشَّفُ أَحَدُ ٱلسُّفَهَاءِ! " (2صم6 :20 ) . عن الطريق الروحية في إحراز البركات السماوية العملية في المسيح غير مفهومة للعالم – وللأسف – للعديد من المؤمنين ! عند انتهاء من إحتلال صهيون , بطل الحاجز الذي منع إختيار الله : " لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱخْتَارَ صِهْيَوْنَ. ٱشْتَهَاهَا مَسْكَناً لَهُ: [هَذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى ٱلأَبَدِ. هَهُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي ٱشْتَهَيْتُهَا"(مز132 :13 -14 ) .
مكان الصعود
إن السجل التاريخي المعطى في الاصحاحات 13,15,16 من أخبار الأيام الأول معرف جيداً , حيث نقرأ عن محاولة داوود إصعاد التابوت من قريات يعاريم :" وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيحُورِ مِصْرَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ لِيَأْتُوا بِتَابُوتِ ٱللَّهِ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ"(1أخ13 :5 ) الى الخيمة المنصوبة في صهيون : " وَأَدْخَلُوا تَابُوتَ ٱللَّهِ وَأَثْبَتُوهُ فِي وَسَطِ ٱلْخَيْمَةِ ٱلَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ, وَقَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ ٱللَّهِ"(1أخ16 :1 ) . إن تفسير هذه الحداث غير متروك للخيال . هنا نرى الكتاب يفسر نفسه . لقد سبق وقلنا ان تحركات التابوت ترمز الى تحركات الرب نفسه من الموت الى القيامة . إن العديد من مزامير داود تخلد ذكرى إصعاد التابوت بإنتصار الى قمة جبل صهيون : " مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ "(مز24 :3 ) لربما هذا يفسر هذه الحادثة , على الرغم من التفسير النبوي الكامل متعلق بالحكم الالفي , ولو بصفة عامة . ولكن مزمور 68 يبدو مزمور محدد قد قيل على يد المغنين خلال إصعاد التابوت . العدد الاول : " يَقُومُ ٱللهُ. يَتَبَدَّدُ أَعْدَاؤُهُ وَيَهْرُبُ مُبْغِضُوهُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ " . وهو محدد لحركة التابوت ( قارن " وَعِنْدَ ٱرْتِحَالِ ٱلتَّابُوتِ كَانَ مُوسَى يَقُولُ: "قُمْ يَا رَبُّ فَلتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ" (عد10 :35 ) فالعدد الأول المأخوذ من هذا الإقتباس ) . لقد ذكر القليل عن تحركات التابوت في كلمة الله : " وَإِذَا بِصَادُوقَ أَيْضاً وَجَمِيعُ ٱللاَّوِيِّينَ مَعَهُ يَحْمِلُونَ تَابُوتَ عَهْدِ ٱللَّهِ. فَوَضَعُوا تَابُوتَ ٱللَّهِ، وَصَعِدَ أَبِيَاثَارُ حَتَّى ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنَ ٱلْعُبُورِ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ..فَأَرْجَعَ صَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ تَابُوتَ ٱللَّهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَا هُنَاكَ"(2صم15 :,24,29 ) , مما يشير الى أن الفرح الموجود في مزمر 68 يلائم فقط إصعاد التابوت لجبل صهيون . إن ملاحظة المجد العظيم : " صَعِدْتَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ. سَبَيْتَ سَبْياً. قَبِلْتَ عَطَايَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ .." (مز68 :18 ) إقتبست على يد بولس : " لِذَلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى ٱلنَّاسَ عَطَايَا" (أف4 :8 ) , مشيرا بشكل خاص الى صعود الرب يسوع الى السماء . إن مكان التابوت في الخيمة ( بقدس الأقداس ) المنصوبة على جبل صهيون يشير الى صعود الرب نفسه الى السماء عينها , حيث جالس مع كنيسته : " وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف2 :6 ) . يحرز المكان العملي لصهيون اليوم , عندما يدخل القديسون الى مقاصد الله حيث أن الكنيسة مرتبطة , ليست فقط مع الرب المقام بل الصاعد أيضا . قال أحدهم واصفا طبيعة الكنيسة السماوية : " الكنيسة ... وضيعة , جسد سماوي , ... ليس لها مكان على الأرض أبداً ... شاهدة أرضية للأمور السماوية التي على الأرض " . تقدير الرب حيث هو الآن هي صهيون حقاً . ولكن ليس هذا مجرد تعليم فقط , إنها مكانة عملية للقديسين , كما سنرى لاحقاً .
الخيمة في صهيون
إن الخيمة التي أقمها داود في صهيون لتكون مكان سكنى التابوت مرتبط بشأن روحي ضروري , بينما الخدمة المرتبطة بشأن عملي ضروري في إختبار المؤمن . إن خدمة الله أمام التابوت في صهيون كان بترنيم والتسبيح ( أنظر 1 أخ 16 : 4- 37) . من هذه الناحية , فهي تختلف عن خدمة الخيمة في البرية , والتي كانت أساسا مرتبطة بالذبائح , ولكن يستخدم الله الآن مرنم إسرائيل الحلو ليقدم هذه العبادة .ولفهم المتوازيات في العهد الجديد يجب ألا نركز كل جهودنا على المجهودات الصوتية في التسبيح والترنيم . إن العهد القديم يتطلب دائما موازي روحي لأمثلة مادية من العهد الجديد . فإن " البيت الروحي " حجارته حيّة : " كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ"(1بط2 :5 ) , الكنيسة نفسها . إن الترنيم مرتبط بترنيم القلب , والذي قد يكون بصوت عال , ولكن يعبر عنه أيضاَ بالصمت أحياناَ : " مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ..."(أف5 :19 -20 ) , " لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ ٱلْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ..." (كو3 :16 -17 ) . إن الترنيم هو حقاً : ".. ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ"(عب13 :15 ) . إن عدم التوازن في الإجتماع بين عدد الترانيم وباقي فقرات العبادة يؤثر سلبيا على عبادتنا بالروح والحق للآب السماوي . فليس الترنيمة مجرد تأليف موسيقي متسرع , بل هي ثمر الإختبار . هذا ما ميز ترانيم وتسابيح داود – بشكل واضح – والتي أعطاها لآساف , والذي كان يحمد إله إسرائيل . إن القارئ الفطن يميز أن التسبيحة الموجوده في 1 أخ 16 : 8 -36 هي خليط من عدة آيات من مزامير متعدده . إن الأعداد 8- 22 مأخوذه من مز 105 : 1- 5 , والأعداد 16- 45 , قد أزيلت . أما الأعداد 23- 33 فهي تعيد مزمور 96 وهو واحد من مجموعة " مزامير المصاعد " . أخيرا , الأعداد 34- 36 مأخوذة من أول وآخر عددين من مزمور 106 . لذلك فمن الواضح أن مز 105 : 16 حتى مز 106 : 46 قد أزيل ووضعوا مكانه مز 96 .إن السبب واضح : لقد عرف داود ما هو الموضوع الملائم للحمد في صهيون . إن الدينونة والإختبارات في مصر ومسيرة الشعب في البرية لم تكن ملائمة لترنيمة الرب في صهيون . بينما ترنيمتنا عن إختبارنا للمسيح نفسه , بدون أي إشارة للتجارب وفشلات هذه الحياة . نستطيع إعتبار أف 1 كترنيمة السماء الآن , بينما رؤ 5 , المنشدة في السماء , تتركز على شخصه في الدهر الآتي .
إن الترنيم والذبائح يمارسان سوية في صهيون : " فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ"(عب13 :15 ) . إن الذبائح الروحية : " كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ"(1بط2 :5 ) يجب أن تلائم " البيت الروحي" في صهيون . حتى في العهد الجديد , فإن حمد الشفاه كان ذبيحة تعوض عن الأمور المادية من الذبائح والتقدمات – الخارجة من قلب منكسر ومنسحق : " يَا رَبُّ ٱفْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ. لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى"(مز51 :15 -16 ) . ولكن فقط بعهد سليمان تم المزج بين الترنيم والمذبح . ففي زمن داود , فقد قيل الترنيم والتسبيح أمام التابوت , أما الذبائح فكانت تقدم على مذبح المحرقة أمام الخيمة القديمة في جبعون :" وَصَادُوقَ ٱلْكَاهِنَ وَإِخْوَتَهُ ٱلْكَهَنَةَ أَمَامَ مَسْكَنِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْمُرْتَفَعَةِ ٱلَّتِي فِي جِبْعُونَ لِيُصْعِدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ عَلَى مَذْبَحِ ٱلْمُحْرَقَةِ دَائِماً صَبَاحاً وَمَسَاءً, وَحَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي أَمَرَ بِهَا إِسْرَائِيلَ"(1أخ16 :39 -40 ) , وهكذا فقد كانت خدمة الرب منقسمة . اليوم , فإن مقصد الله أن الجماعة ترتبط بصورة كاملة بأجوائها السماوية , ولذلك يجب ألا تنقسم عند ممارستها لأهم وظائفها – العبادة . ترمز جبعون بأحسن صورها الى الدين التقليدي للإنسان الطبيعي , فالخيمة قد تركت من الله : " وَرَفَضَ مَسْكَنَ شِيلُوهَ ٱلْخَيْمَةَ ٱلَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ"(مز78 :60 ) ولم تعتبر فيما بعد . إن صهيون هو المكان المعد لفرح القديسين حيث تتم كل الممارسات الروحية بحسب كلمة الله , بدون إهتمام منقسم بين الروحيات والعالم .
إن الخدمة التي سبق ووصفت هي خدمة تجاه الله , ولكن صهيون تشير أيضاً الى خدمة تجاه الإنسان : القديس والخاطئ . فكما سبق ورأينا , فإن مز 68 : 18 قد إقتبس في أف 4 : 8 , فقد طور بولس فكر الخدمة بين القديسين وفي الإنجيل لنمو الجماعة نحو " ملء قامة المسيح " . بما أن المواهب معطاه من الرب المجلس في السماء فمن الواجب ممارستها في أجواء صهيون السماوية . يجب ألا نسمح بشيء في خدمتنا هنا مناقض لطبيعة الخدمة الكهنوتية التي نقدمها لله . إن الأجواء التي نراها في إجتماعات كسر الخبز, يجب أن تعم كل أجواء خدمتنا , وذلك لأن مصدر كل الإجتماعات هو الرب المقام . إن إدراك هذا يحفظ المؤمنين من أن يكونوا أطفالا في المسيح : " ... مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ ٱلنَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ ٱلضَّلاَلِ"(أف4 :14 ) يا ليت نعرف الرب الصاعد من صهيون بصورة أفضل ولا نترك الشرور تسيطر على قلوبنا .
المقاومة لصهيون
إن القديسين الذين يقدرون المكانة السماوية لصهيون بالقرب من الرب لا بد وسيواجهون مقاومة من الآخرين
المفتكرين بالارضيات .
" فَأَعْطَى مُوسَى لهُمْ لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ مَمْلكَةَ سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ وَمَمْلكَةَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ ٱلأَرْضَ مَعَ مُدُنِهَا بِتُخُومِ مُدُنِ ٱلأَرْضِ حَوَاليْهَا"(عد32 :33 ) وقد تم ذلك في سفر يشوع 22 : 1- 9 , وقد فشلت هذه الأسباط لإمتلاك الأرض :"وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً أَرْضُ مُلْكِكُمْ فَاعْبُرُوا إِلَى أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا مَسْكَنُ ٱلرَّبِّ وَتَمَلَّكُوا بَيْنَنَا, وَعَلَى ٱلرَّبِّ لاَ تَتَمَرَّدُوا, وَعَلَيْنَا لاَ تَتَمَرَّدُوا بِبِنَائِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً غَيْرَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا"(يش22 :19 ) . ولكن ماذا كانت مميزات أرض شرقي الأردن ؟ لقد كانت جبال باشان هي الغالبة بملك إسرائيل وهي ترتفع حتى 1700 متر تقريباً معظمها ارض بازلتية قاسية وصلبة مقارنة بجبال فلسطين وصهيون . تتكون الصخور البركانية من تصلب البراكين والحمم المقذوفة من داخل الارض والتي كانت قد تعرضت لضغوط عظيمة تحت الأرض , اما الصخور الترسبية ( التي تكثر في فلسطين ) فهي نتاج ترسب الكائنات الحية الميتة في قعر البحار والتي تظهر ثانية على وجهة الأرض بفعل حركة طبقات الكرة الأرضية . إن الصخور البازلتية تشير الى نتاج الإنسان الطبيعي , الأرضي والمزاجي , " من أسفل " : " فَقَالَ لَهُمْ: « أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ. (يو8 :23 ) , أما صهيون فيشير الى المكانة الإلهية التي تكونت بفضل موت وقيامة الرب يسوع المسيح . " جَبَلُ ٱللهِ جَبَلُ بَاشَانَ. جَبَلُ أَسْنِمَةٍ جَبَلُ بَاشَانَ. لِمَاذَا أَيَّتُهَا ٱلْجِبَالُ ٱلْمُسَنَّمَةُ تَرْصُدْنَ ٱلْجَبَلَ ٱلَّذِي ٱشْتَهَاهُ ٱللهُ لِسَكَنِهِ؟ بَلِ ٱلرَّبُّ يَسْكُنُ فِيهِ إِلَى ٱلأَبَدِ"(مز68 :15 -16 ) : نرى هنا جبل باشان مقابل جبل صهيون – جبل الله , فرغم أن جبل باشان هو جبل أسنمة ولكنه لا يستطيع الإرتفاع فوق جبل الله لكون يهوة يسكن هذا الجبل . يصور الكتاب شعب الله المجتمع على أرضية حيث الرب يسوع نفسه في الوسط . إن أنظمة الناس التي تبدو عظيمة , منظمة , ذات ذوق رفيع لا نجد مكان لجبل صهيون بين هذه القمم البشرية . إن مجرد الضخامة لا تعبر عن المثال الإلهي بهذا العالم , بل أن كل هذه الأمور سوف تبيد , وستبقى الحقائق الأبدية التي لا يمكن تحريكها .