جبل سيناء
يعتبر جبل سيناء من أكثر الجبال شهرة في
الكتاب , فإرتبط هذا الإسم بالناموس كونه أعطيَ فيه.
جغرافياً
إن مكان , شكل ومميزات جبل سينا مفصلة بالكتاب بشكل واسع . إن الجبل
الموجود في الصحراء التي تحمل نفس الإسم " برية سينا " , يشير الى
الفراغ الروحي للبشر عامة ولشعب إسرائيل خاصة . لقد فشل الإنسان في
تتميم متطلبات الناموس ولذلك ترك في ظروف البرية المفتقرة لبركات الله
. يوجد لشكل الجبل أهمية كبرى . إن الإسم " سينا " يعني " المنحدر "
وذلك لصورة الجبل غير العادية : فعوضا عن الإنحدار العادي فإن الجبل
ينتصب فجأة عن وجه الصحراء لإرتفاع شاهق , وهكذا كان يراه كل إسرائيلي
من المخيم الذي في أسفل الجبل . يذكرنا هذا المشهد بالتناقض العظيم بين
إرتفاع قداسة الله كما هي ظاهرة في الناموس مقارنة مع المستوى المنخفض
الذي وصل اليه الإنسان . يشير الصخر القاسي لهذا الجبل الى عدم مرونه
الناموس : الموت دون رأفة , إذا ثبتت مخالفه للناموس بشهود : " مَنْ
خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ
يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ " ( عب 10 : 28 ) وذلك "لأَنَّ مَنْ حَفِظَ
كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ
مُجْرِماً فِي الْكُلِّ " ( يع 2 : 10 ) .
تاريخيا
لقد وصل إسرائيل الى سينا في خروج 19 . وهنا يهيء الله الشعب لعمل عهد
مع شعبه . يوجد لهذا العهد ثلاثة توجهات :
تجاه الله ( أن يكون إسرائيل " خاصة " )
تجاه الإنسان ( " مملكة كهنة " )
تجاه نفسه ( " أمة مقدسة " )
إن التمتع بهذه العلاقة مع الله يتطلب الطاعة من الشعب : " إن سمعتم
صوتي " ( خر 19 : 5, 6) . لقد قبل الشعب تلك الشروط بكل ثقة بالنفس : "
ما تكلم به الرب نفعل " ( عد 8) والنتيجة كانت أن الظلام و البعد
والموت قد إرتبط حالاً بجبل سينا " .. ها أنا آتي إليك في ظلام السحاب
.. " ( عد 9 , قارن أيضاً من 10 – 13 ) . إن هذه العلامات في سينا يجب
أن تكون تحذير لنا : " . إِذاً مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ
فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ " ( 1كو 10: 12 ) . كتب الرسول بولس
هذه الكلمات عند مراجعته لتاريخ الإسرائيلين الذين تجاهلوا حدودهم .
لقد أظهر بطرس نفس الثقة بالنفس عندما قال : " يَا رَبُّ إِنِّي
مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى
الْمَوْتِ" (لو22 : 33) , ولكن بما أن النعمة كانت عاملة فإن إيمانه لم
يفن وذلك بفضل ضامنه الإلهي الامين . يشير تاريخ سينا أيضاً الى الى
حالة المؤمن قبل أن يدرك البركات التي له في المسيح . يوصف الناموس في
رو 7 : 12 بكونه مقدسا وعادلا وصالحاً : " إِذاً النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ
وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ. " . فهو مقدس
لصفاته ولهدفه لذلك قال الله : " يَا ليْتَ قَلبَهُمْ كَانَ هَكَذَا
فِيهِمْ حَتَّى يَتَّقُونِي وَيَحْفَظُوا جَمِيعَ وَصَايَايَ كُل
الأَيَّامِ لِيَكُونَ لهُمْ وَلأَوْلادِهِمْ خَيْرٌ إِلى الأَبَدِ " (
تث 5 :29) . ترجمة أخرى للكلمات الأولى هي بصيغة سؤال : من يعطيهم قلباً
.. " – وإذا كان هذا صحيحاً – لربما الحديث عن ذلك الوقت الذي كان
سيأخذ الله القلب الحجري ويعطيهم مكانه قلباً من لحم : " وَأُعْطِيهِمْ
قَلْباً وَاحِداً, وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحاً جَدِيداً,
وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ
لَحْمٍ " (حز 11: 19) .
تدبيرياً
لقد أقنع بولس – بكل تأني – أهل غلاطية أن الناموس قد أعطي للإنسان
الطبيعي – شاؤول الطرسوسي , وهذا ما نراه في رو 7: 1 أن الناموس يسود
على الإنسان ما دام حياً فقط :" اتَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ -
لأَنِّي أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ - أَنَّ النَّامُوسَ
يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيّاً " لذلك فإن الإنسان الذي
مات فالناموس لا يطوله . لهذا السبب يقول بولس : " قد صلبت مع المسيح "
.يشبه هذا قصة عن قضية أمام المحكمة والتي كان من المفروض أن تبت بها
باليوم التالي . وفي الصباح أعلنت المحكمة عند إلتآمها : " لقد دعي
السجين الى هيئة أعلى – لنتقدم بالدعوة التي تليها " , لقد مات هذا
الفقير في زنزانته . عندما يضيئ نور الإنجيل بكل قوته على المؤمن يهتف
قائلا : " لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ
قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" ( رو8: 2)
وهكذا يضيف بولس : " فما أحياه الآن .. " ( غل 2 :20) . هناك إختلافات
تدبيرية أخرى نتعلمها تحت ظلال سينا . إن كل التفاصيل المرتبطة بالخيمة
, وكل طقوسها تتجه نحو النظر والشم واللمس , الذوق والمشاعر والعواطف .
للأسف , فإن المسيحية المعترفة اليوم ما زالت تشدد على أولوية البنايات
الجميلة والشبابيك المزخرفة والملابس الفاخرة للمرنمين وغيره . لقد
إتجهت الأمور في العهد القديم الى الخارج لإرضاء الجسد وأما في العهد
الجديد فتتجه نحو الداخل أي الروح .
تعليمياً
لنحث بعضنا البعض على الثبات "فَاثْبُتُوا إِذاً فِي الْحُرِّيَّةِ
الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضاً
بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ " ( غل 5 :1) . فاليهودية وصفت بكونها " الأركان
الضعيفة والفقيرة " (غل 4: 9 " وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ،
بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضاً
إِلَى الأَرْكَانِ الضَّعِيفَةِ الْفَقِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ
تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ؟" ) والوثنية بكونها " أركان العالم
" (كو2: 8, " اُنْظُرُوا انْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ
بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ،
حَسَبَ ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" ) . نعود
ونذكر بذلك التحرير الذي نلناه تحت النعمة . يؤكد بولس في الإصحاح
الثاني من الرسالة الى أهل غلاطية أن الناموس قد أبطل بموت المسيح ,
وفي الإصحاح الثالث يتكلم عن الوعد الذي لإبراهيم بإلإيمان . أما في
الإصحاح الرابع فيؤكد على تفوق النعمة على الناموس حيث يحضر القاصر
الذي تحي الوصاية الى التبني محولا إياه من عبد الى إبن ليرث الله في
المسيح . يأخذنا بولس من هنا الى مشهد العائلة في الخيمة الشرقية حيث
الجارية ونسلها يمثلان سينا في العربية مع كل قيوده .
من الواضح أن المزاح المذكور في تك 21: 9 : "وَرَاتْ سَارَةُ ابْنَ
هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لابْرَاهِيمَ يَمْزَحُ " ,
أصبح إضطهادا في غل 4: 29 : " وَلَكِنْ كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ الَّذِي
وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ يَضْطَهِدُ الَّذِي حَسَبَ الرُّوحِ، هَكَذَا
الآنَ أَيْضاً ".وفي نفس السياق , فإن طلب ربة البيت (سارة) الغاضب (
الملزم بطرد الجارية وابنها ) أصبح قول : " الكتاب" , بحسب تفسير الروح
القدس : " لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «اطْرُدِ الْجَارِيَةَ
وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ
الْحُرَّةِ» "
إن الرغبات والشهوات التي لا يستطيع الناموس بوصاياه ( سينا ) أن يتغلب
عليها – على المؤمن أن يصلبها مع المسيح , كما يبينه الإصحاح الخامس .
وأخيراً , يظهر الإصحاح السادس أن النظام العالمي , الذي ينتمي اليه
الجسد , قد تم صلبه مع المسيح والمؤمن نفسه قد صلب للعالم.
ما هو رد فعلك يا أخي الحبيب بعد أن سمعت كل هذه الأمور ؟