كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



لينظر كل واحد

( 1 كو 3 : 5 – 17 )
إن التّفسير الشّائع لكلمات بولس عن البناء : ذهب , فضة وحجارة كريمة يضع المسؤولية على عاتق المؤمن الفرد , بحياته الخاصة , ليفحص ملاءمته لمواصفات الله - ولكن غير واضح المسؤولية الجماعية بالكنيسة المحليّة .
أخبر الرسول الكورنثيين , في بداية الاصحاح , بأنّه وأبولس خادمين آمنوا بواسطتهما ( عد 5) . لقد كانوا في هذا " عاملان مع الله " , ومؤمني كورنثوس كشركة ( آمنتم – بالجمع ) هم " فلاحة الله " ( عد 9 ) . إنتقل من الوصف الزراعي للبناء فقال لهم " أنتم " بناء الله " ومميزات ذلك البناء مذكورة في عدد 16 . " أنتم هيكل الله " . يتحدث الرسول في 6 : 19 عن الحق المختص بكون جسد المؤمن الفرد هو " هيكل للروح القدس " وعلى هذا الاساس يطالب المؤمن بالقداسة الشخصيّة , ولكن هنا يتكلم عن المؤمنين كجماعة- الاجتماع بكونه " هيكل الله " . لا يوجد أي نصيب لبولس في البناء الذي هو جسد المؤمن بصفته هيكل للروح القدس , ولكن فيما يتعلق ببناء كنيسة كورنثوس المحليّة كهيكل الله فهو يعابر نفسه من قد وضع الاساس كبنّاء حكيم . لقد كرز بولس لثمانية عشرة شهراً بكلمة الله ( أع 18 : 11 ) حيث وضع الاساس الذي يجب أن تبنى وترتاح عليه الجماعة .
عندما غادر بولس سوريا , وقع إنجاز العمل الذي بدأه على عاتق رجال آخرين والذي كان من واجبهم أن يبنوا على الاساس الذي وضعه بولس : " وآخر يبني عليه " ( عد 10 ) . كل إجتماع يدين للأساس لبعض خدّام الله ولكن لأجل نمو ونجاح ورعاية قطيع الرب هناك ضرورة أخذ رسالة بولس بعين الاعتبار من قبل رعاة الكنائس . إن أي محاولة لبناء الله على أساس بخلاف الذي وضعه بولس لأهل كورنثوس سيفشل : " فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ " (1كو3 :11 ) , ولكن حتى على هذا الاساس المتين يجب أ، يحذر كل واحد كيف يبني , بل أكثر من ذلك , فمن واجبه الحذر بالنسبة للمواد التي يبني منها البناء : " فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً لأَنَّ ٱلْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ وَسَتَمْتَحِنُ ٱلنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ " (1كو3 :13 ) . إن الكلمات : " سيصير ظاهراً " , " سيبيّنه " , " يستعلن " , " ستمتحن " تشير جميعها لذلك الامتحان , في ذلك اليوم , البحث المدقق والذي سوف يصل حتى الدّوافع الخفيّة .
إنه من المفيد ( بقبولنا النمط الكتابي حسب عد 10 ب ) إذا حسبنا حث بولس تحذيرات لنا :
1) لينظر كل واحد أين يبني ( " فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ .. " كو3 :11 ) .
2) لينظر كل واحد كيف يبني ( " .. وَلَكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ " 1كو3 :10 ) .
3) لينظر كل واحد ماذا يبني (" وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي .. ذَهَباً فِضَّةً حِجَارَةً كَرِيمَةً "1كو3 :12 ) .
4) لينظر كل واحد لماذا يبني ( " فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً.." 1كو3 :13 ) .
رغم أن التحذيرات السابقة موجودة كلها في الفقرة التي قرأناها ولكن من المفيد النظر إليها بعلاقتهن مع الفصول الاربعة الاوائل من الرّسالة .

ألأساس - أين نبني ( إقرأ الاصحاح الاول )
إن الله يقبل أساس واحد للجّماعة " فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ" 1كو3 :11 . إن لم نخضع أعمالنا لربوبية المسيح فلسنا نبني لله . إن الكنيسة له , ولذلك يجب أن تكون مشيئته هي العليا في كل الاوقات وكل الاحوال. لا يوجد هناك مكان للمشيئة الذاتيّة . هذا يعتبر شأنا جديّاً أن يدفع الانسان نفسه قدماً بهدف تتميم طرقه . كم من دمار سبب هذا الامر ! ولكن التحذير الجدي يسير مفعوله :" إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ ٱللهِ فَسَيُفْسِدُهُ ٱللهُ .." 1كو3 :17 .
الكثير من التجمّعات والجمعيات المسيحية تتأسس على بعض الدساتير بشريّة الصنع , ومن غير المقبول أن ننكر – أنه في عدة حالات كانت قويّة وفعّالة بمراحلها الأولى , ولكن الأساس لم يكن مرضياً . من المفيد الإنتباه الى تلك الحالات التي آلت الى السقوط والإهمال , فإن العمليّة لا يمكن إصلاحها أو إرجاعها الى الوراء . لاحظ الاجتماعات التي وقفت مرّة بشجاعه مدافعة عن الانجيل تراها اليوم بدون رجاء متسربلة بالعصريّة . من الناحية الاخرى , ترى الجماعة التي بنيت بثبات على ربوبية المسيح حيث الكلمة الأخيرة له ولمشيئته , ترى أرضيّة ثابتة لإعادة البناء والإصلاح .
عندما كتب بولس لأهل كورنثوس بنية معالجة التعدّيات الجديّة التي تسرّبت خفية الى كنيستهم , شدد أوّلاً على ربوبية المسيح , مدركاً أن نجاح مهمّته معتمداً على قبولهم للأرضية الأصوليّة كجواب لكل التّساؤلات التي طفت على السّطح . لربما لم ينتبه أهل كورنثوس لوجود اللقب " الرب يسوع المسح " بكل الجمل الأفتتاحيّة – أكثر من 6 مرات بعلاقة مهمة وملفتة للنّظر :
1) " ... جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ " (1كو1 :2 ) .
2) " نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ " (1كو1 :3 ) .
3) " ... ٱسْتِعْلاَنَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ "(1كو1 :7 ) .
4) ".. يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ... " (1كو1 :8 ) .
5) " ..شَرِكَةِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا. " (1كو1 :9 ) .
6) " وَلَكِنَّنِي .. رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ " (1كو1 :10 ) .
وكذلك أيضاً كيف أنه قبل بداية الحديث عن ألأساس الذي وضع في كورنثوس قال "..مَنِ ٱفْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ " (1كو1 :31 ) . لقد ظهر لقب الرب في كل توسّلاته بهذه الرّسالة لأكثر من 60 مرّة .

الوسائل – كيف نبني ( إقرأ ألإصحاح الثّاني )
يطوّر هنا بولس الوسائل التي أنجز بواسطتها العمل في كورنثوس – لا ثقة بالجسد ولا بالمقدرة الطّبيعيّة , بل إتّكال تام على الروح القدس , والذي ذكر عدّة مرات في الاصحاح الثّاني .
إن مواهب بولس الطّبيعيّة ومواصفاته كانت ستمكّنه من مخاطبة محبّة الكورنثيين " للحكمة " – كان بمقدوره أن يسحرهم بكلام الحكمة المغرية ( الحكمة البشريّة ) فيجمع لنفسه تابعين مخلصين , ولكن قد يدوم هذا لفترة , حتى تأتي موضة فلسفية جديدة لتحتل مكانه . ولكن لأجل مقاومة هذا الإغراء , أشاح بولس بوجهه عنها بصورة قاطعة – وبأقتناع تام أن نتائج إستخدام هذه الوسائل سيكون وقتيّاً فقط – لأن العمل لن " يصمد " . لقد أدرك بصورة قاطعة ليس فقط أن الإنسان الطّبيعي لا يقبل أمور الله الروحيّة , بل إنه يعتبرها جهالة بالنّسبة له ( عد 14) . لم يكن سهلاً لإنسان بمثل مزاج بولس أن يلقي كل إتّكاله على المسيح الذي يظهر ليس فقط بكونه ضعيفاً وغبياً بالنسبة للحكمة العالميّة بل قمة عمله موتاً مذلا وبكل صمت . ليس فقط يسوع المسيح بل أيضاً " وإياه مصلوباً " ( عد 2 ) . إن كانت الكرازة بيسوع المسيح جناية , فالكرازة بمسيح مصلوب إهانة واحتقار . إننا نحن الذي أصبح لنا الصّليب رمز الانتصار وقوة وحكمة الله ( 1 : 24 ) , لا نستطيع أن نفهم كم هو مخزي الكرازة بشخص كالمخلّص , والذي كان مصدر قوّته خضوعه الكامل وبكل ضعف لموت العار . لقد إتحد الاممي واليهودي بالاستهزاء بالمؤمنين بسبب هذا المسيح المصلوب . إستهزأ الاثينيّون برسالة كهذه , حتى عندما قًدِّمت لهم بكل حذر ( أع 17 : 18 , 32 ) . لقد أوضح بولس لهم مشاعره عند قدومه إليهم : " وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضُعْفٍ وَخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ "(1كو2 :3 ) ولكن برغم الضّعف البشري كان كلامه " .. بِبُرْهَانِ ٱلرُّوحِ وَٱلْقُوَّةِ .." (1كو2 :4 ) . كم يختلف هذا عن عروض الثّقة بالنفس والشجاعة التي تغزو العمل الرّوحي( الديني ؟ ) اليوم , والذي لا يمكن وصفه بكونه " ضعف وخوف ورعده كثيرة " وبالتالي غير معمول بالروح القدس . عندما نرى القليل من الإكتفاء الذّاتي عندها نلمس الكثير من قوة الروح :" لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئاً كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ ٱللهِ" (2كو3 :5 ) . إن التأمل في الدّرك الأسفل الذي وصلت إليه البركات الروحية من الضّعف , يسبب الحزن والشّكر العميقين , ولكن عادة ما ينحصر العلاج بالبحث عن إمكانيات لوسائل جديدة . إنه من الغباء ألا نشجّع المبادرات , ولكن الحاجة الملحّة ليس الى وسائل جديدة بل للقوة القديمة . إن اكثر الماكينات تطوّراً لا تجدي نفعاً بدون القوّة لتفعيلها . من المؤكد أنه لم يكن عصراً كان فيه العمل الديني منظّماً بصورة أفضل كما هو اليوم – إن الماكنة كاملة , ولكن المنظّمين – مهما عظمت قدراتهم – لن ينجزوا أي شيء بغياب المتألمين لأجل النّفوس .
يواجه الكنيسة دائماً خطر التّعويض عن الروحيّات بالفعّاليات . قد نميل كثيراً لخداع ذواتنا بذلك التّعويض , كون الفعّاليات تتطلّب أقل بكثير مما تتطلبه الروحيّات . من السهل أن نتخيّل بأن بسبب كون الاجتماع فعّال وصاحب مبادرات , وأعماله تدار بفعّاليّة – شبيه بتلك التي في عالم الاعمال – ليس هو بالضرورة صحيّاً . بمثل هذا الجو من الذّكاء والتّنظيم يأخذ رجل الاعمال مكان الإنسان الروحي . ليس هذا فضلاً لاي جماعة إذا إنحصرت قيمة فعّاليّاتها بمدى نجاعتها , بل إن هذا ليس ضماناً للإنتعاش الرّوحي والذي هو أهم شيء بهذا الموضوع . إن أكثر التّرجمات القريبة للحقيقة للآية : " قارنين الروحيّات بالرّوحيّات " ( عد 13 ) هي : " توفير الأمور الروحيّة بالوسائل الروحيّة " . بكلمات أخرى , فقط القوة الروحيّة بمقدورها إحداث تأثير روحي . هناك أنواع عديدة من القوة وكل واحدة تضمن نتائج في مجالها فقط . إن القوة الجسديّة تاتي بنتائج جسديّة – ونتائج جسديّة فقط . الكثير الذي يبذل في الخدمة الروحيّة هو مجرّد نتاج القوّة الذهنيّة – القدرة على فهم الحق ومشاركته الآخرين .يجب ألا نحتقر التّفسير الدقيق الدقيق والواضح لكلمة الله , ولكن إذا كان هذا مجرّد محاولة ذهنيّة – يعتبر هذا مجرّد مشاركة عقليّة مع عقول آخرين , وإذا إنتهى الموضوع هنا , عندها لم يعمل أي عمل للرب – الكل مجرد كلام فقط " أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضاً، وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ..1 " تس1 :5 يستطيع البعض تمييز الامور الذهنيّة فقط , ولكن من جهة أخرى يفشلون في التمييز بين القوة النفسية والروحية . إن رجال ذوي مواهب نفسية ( كاريزمة ) لهم القدرة على التّأثير على مشاعر الآخرين – مشاركة النفس للنفس . هذه المشاعر مضرة بالفعّاليات الروحيّة , ولكن القوة النفسية تفرز نتائج نفسية وسريعاً ما تتبخّر تأثيراتها . هذا لا يعني أن الله لا يستخدم القوة الذهنية والنفسية لعبيده – بل ما ندّعيه ببساطة أنه إذا العمل لم يتعمّق فلن نحصل على نتائج روحيّة ثابتة . القوة الروحيّة , التي تميّز فعّاليات الروح القدس بالروح الانسانيّة , تنتج إستنارة , والتي بدورها تشكّل قناعات ومشيئات تتطابق مع مشيئة الله . مما لا شك فيه أنه يسبق هذه العمليّة ( أو يتبعها ) فعّاليات ذهنية أو إختبارات عاطفيّة أو كليهما , ولكن هذا يأتي بالدّرجة الثّانية – الأمر الحيوي هو تطبيقا للقوة الروحيّة على أرواح البشر . لقد كان هذا الامر الوحيد الذي وضع بولس ثقته فيه : " لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ ٱلنَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ ٱللهِ " (1كو2 :5 ) . لا جدال أن الامور المعمولة بالروح القدس هي المقبولة لدى الله , ولكن كم منا توقّفوا ليمتحنوا أنفسهم بهذا الامتحان المحرج لكل تلك الامور التي ندّعي أنها معمولة كخدمة للمسيح ؟ إن بهذا الإمتحان نحمي أنفسنا , كي لا نرى أعمالنا في ذلك اليوم محروقة بالنار . إن العمل الذي " يصمد " امام النّار هو الذي يأخذ بالحسبان – الثّبات هو المقياس وليس بعض النّجاح المؤقّت الظّاهر للعيون .

المواد – ماذا نبني ( إقرأ الإصحاح الثّالث )
تتوجّه أفكارنا الآن نحو المواد التي تبنى منها الجّماعة – مميزات العمل . إن الذهب , الفضّة والحجارة الكريمة تصف أشكال الخدمة التي تساهم في توحيد وتزيين حياة الجّماعة وشهادتها . لا يسمح لنا المجال هنا باستخلاص العبر التي يمكن تعلّمه من مقارنة المعادن بعضها مع بعض ( الذهب غير قابل على الاحتراق بتاتاً والآخر قابل للتّطويع بسهولة) . ولكن أهم درس هو أن المفتاح هو الكيفيّة لا الكميّة . إن الله غير مهتم كثيراً بحجم عملنا الظّاهر – فالنّار سوف تمتحن عمل كل واحد مهما كان . يا لبطئ تعلّمنا لهذا الدّرس ! وكم ننخدع بذلك الفكر ( بسهولة ! ) أن قيمة خدمتنا تكبر باطّراد مع مجموع العمل الذي أنجزناه – وفي الحقيقة , وبأحياناً كثيرة , العكس هو الصّحيح .
صحيح أن الخشب , العشب والقش يعملون عرمة كبيرة جدّاً ولكنها لا تساوي جزءاً بسيطاً من قيمة الذّهب , الفضّة والحجارة الكريمة . وبصورة مشابهة , فإن الانسان الذي تبدو أعماله عظيمة في عيون البشر , فتمكّنه مواهبه الطّبيعيّة من إحتلال مكاناً بعد مكان محاطاً بهالات النّجاح وقبول من الآخرين , فمن الجائز أن يكون قد أنجز القليل جدّاً للرب قياساً بذلك القديس المجهول الهوية المدعو لملء مكانة وضيعة - ولكنها مكانه دعاها إليها الله نفسه – فيعمل بها بخضوع وصلاة وتأمل لإرشاد وقوة روح الله , حيث يعتبر هو الدّعامة الحقيقية للاجتماع.
ولكن " اليوم " – يجب أن نعطي مكاناً " لليوم " الذي فيه ستنقلب الكثير من الموازين الأرضيّة.هلم لا نسمح لغيرتنا الطّبيعية أن تعمل قدر إستطاعتها حتى لا يستخدمها إبليس لتحتل مكانات عديدة فلا تتعمّق بأي منها والذي بدون هذا العمق لن يكون هناك نجاحا يذكر .

الدّافع – لماذا نبني ( إقرأ ألإصحاح الرّابع )
تعطينا هذه الاعداد فكرة عن قدرة النار على إظهار عمل كل إنسان . البحث الفاحص لعيون الرب الكاشفة لكل شيء والتي يصفها يوحنا " كلهيب نار " ( رؤ 1 : 14 ) . عندما تمتحن هذه العيون أعمالنا سوف لن تفحص فقط نوعية المواد ( أي ماهيّتها ) بل ستحضر الى النور الامور المخفية بالظلام , وستكشف نيّات القلوب (عد 5 ) . عندها سيرى ليس فقط ماذا بنينا حقّأَ , بل كيف بنينا . ليس فقط المواد بل الدوافع . فقط بحرص شديد نحفظ أنفسنا من الدوافع المختلطة , حيث مجد المسيح هو من المفروض أن يكون النّبع الرئيسي لخدمتنا . كم يسعى القلب البشري نحو البروز ومدح النّاس !! فإذا كانت هذه دوافعنا فمن الجائز أن نحصل عليهما – ولكن في هذه الحالة نكون قد حصلنا على أجرتنا – وليس من المتوقّع أن نحصل على المزيد ! الأجرة التي لم نعطها حق قدرها حتى يكون متأخر جدّاً – المدح الّذي من الله : " فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ كَمَا يَفْعَلُ ٱلْمُرَاؤُونَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي ٱلأَزِقَّةِ لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ ٱلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! " (مت6 :2 ) . إن الذي يجب أن نسعى وراءه هو الكشف عن دوافعنا ( نحن ) الحقيقيّة ( وليس دوافع الآخرين ) .
" .. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ٱلْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ( الذي نجح في الامتحان ) مِنَ ٱللهِ. " (1كو4 :5 ) ولكن هذا لا يعني أن كل واحد سينال المدح من الله , وإلا كيف نفسر هذه الحالة الموضوعة أمامنا كون العمل قد إحترق وخلص ذلك الإنسان كما بنار " إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ وَلَكِنْ كَمَا بِنَارٍ" (1كو3 :15 ) ؟ فهل سينال هذا المدح من الله ؟ ألا يعني أن الذين سعوا وراء مدح الناس عديم القيمة , لن ينالوا المدح من ذاك الوحيد الذي مدحه ذو قيمة حقيقية ؟ بإدراك كامل لهذا الحق , فإن بولس حسب تقدير النّاس له – عن حق أو بغير حق – تقديراً قليلاًَ جدّاً لديه : " وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَرٍ." (1كو4 :3 ) فهو بالحقيقة لا يقدّر قيمة عمله الخاص : " لَسْتُ أَحْكُمُ فِي نَفْسِي أَيْضا " , بالتّأكيد أنّه حكم على نفسه بمفهوم حفظ ضميره طاهراً , متمتّعاً بهذه النّعمة المجّانيّة , بل قد حكم على نفسه بهذا المفهوم حيث لا يشعر " بشيء ( ضد ) في ذاته " ( عد 4 ب ) , فكان لزاماً عليه الانتظار حتى يمثل أمام عرش المسيح الأبيض العظيم .
هكذا الأمر معنا أيضاً فيجب ألا نحكم " ... فِي شَيْءٍ قَبْلَ ٱلْوَقْتِ حَتَّى يَأْتِيَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا ٱلظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ ٱلْقُلُوبِ " (1كو4 :5 ) . من الضّروري أن نحكم على أنفسنا وندينها مستبعدين كل فكر مناقض لفكر الله , ولكننا لسنا مهيّئين لتقدير قيمة أعمالنا أو ضمان نقاوة دوافعنا .
وبصورة مشابهة , وعلى الرغم أننا نتبرر بإحضارنا تعليم الكتاب لنقدّمه في خدمة الآخرين لإرشادنا , يجب أن نقاوم الإغراء بإدانة نوعية أعمال الآخرين , وبأكثر تأكيد يجب ألا نجترأ بالحكم على الدّوافع " مَنْ أَنْتَ ٱلَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلَكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ لأَنَّ ٱللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ "(رو14 :4 ) ألا يكفي هذا التّحذير لنكبح به أنفسنا عندما نجترؤ على ذلك ؟!
يذكرنا الرسول بولس أن ".. يُسْأَلُ فِي ٱلْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ ٱلإِنْسَانُ أَمِيناً " (1كو4 :2 ) . إذا كنا متضوّرين جوعاً لنكون أمناء وحتى الآن لم يحالف خدمتنا الشهرة والإنتشار , فما هذا إلا لتدريب القلب وليس للإكتئاب – لربّما هو من إحسانات الرب أنه يحفظنا من ذلك الفخ . بأي حال يجب ألا نسعى نحو النّجاح ولكن علينا أن نكون أمناء وهذا في آخر الأمر سينتج النّجاح الحقيقي .
يا لسعادة الكنيسة التي قادتها هم بناة حقيقيون , ممارسين لسلطة الرب عليهم , كلمته هي أساس توسّلاتهم , ليس لهم ثقة في الجسد بل على الروح القدس بالكليّة , والّذين يعرفون وراضين عن المكانة التي وضعهم بها الرب , متميّزة خدمتهم بالفاعليّة النوعيّة الروحيّة , ودافعها الرّئيسي ليس مجد أنفسهم بل مجد المسيح . فهم من أولئك البناة الين عملهم سوف يبقى للأبد !