كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



ثمار المكوث بمحضر الله


المقدّمة
عند الحديث عن مثل هذا الموضوع لا بد من الإعتراف بالقصور في الإحاطة بالموضوع , لذا سنركّز على أربعة أمثلة . تعلمّا هذه الأمثلة دروس تجمل نتائج المكوث بمحضر الله . سنتكلّم عن :
1) مريم – تقدير متنامي
2) آساف – وجهة نظر جديدة .
3) إيليا – شهادة لا تعرف الخوف .
4) موسى – الصّورة المتغيّرة .
مريم – التقدير المتنامي
أوّل
ذكر لمريم بيت عنيا : " وَكَانَتْ لِهَذِهِ أُخْتٌ تُدْعَى مَرْيَمَ ٱلَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ. (لو10 :39 ) ومكتوب أنها جلست عند قدمي يسوع , سامعة كلامه . هذا بالنّقيض من أختها مرتا , والتي قبلته في بيتها : " وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ دَخَلَ قَرْيَةً فَقَبِلَتْهُ ٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا مَرْثَا فِي بَيْتِهَا " (لو10 :38 ) ولكنها كانت مرتبكة في خدمة كثيرة : " وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ: «يَا رَبُّ أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدِمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!" (لو10 :40 ) . كم نردد كلمات السيّد : " وَلَكِنَّ ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا " (لو10 :42 ) . إذا عرفنا مقدار المتعة المكتسبة من محضر الله ومدى تأثير ذلك على حياتنا , لكان من الواجب أوّلاً تخصيص الوقت اللازم للجلوس عند قدميه والتعلّم منه . إن " التخصيص " هنا مهم جدّاً فإنه من النّادر ( أو قطعاً ) أن نجد الوقت حتى نضع هذا الموضوع بسلّم أفضليّاتنا . من السّهل جدّاً أن نكون مثل مرثا مشغولين جدّاً في خدمة الرب حتى نخسر بركات محضره . إن فعّاليات الخدمة ممدوحة في مكانها ولكن يجب عدم السماح لذلك أن يختزل أوقاتنا . لنتعلّم درس الأولويّات , وإلا لن نتمتّع قط بمحضر الله .
ذكرت مريم للمرّة الثانية بعد موت أخيها لعازر في يوحنا الإصحاح الحادي عشر . تراها هنا واقعة على رجلي يسوع : " فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي " (يو11 :32 ) . لنلاحظ رغم تقدم مرثا لتحية السيد ,
حيث أظهرت كلماتها إيماناً أكثر , ولكنها لم تكن عند قدميه لتتعلّم منه . أما مريم , والتي تتلمذت عند رجلي يسوع , أدركت أن أي مطلب من الرب هو على أساس النّعمة . لقد حصلت مرثا على إعلان : " قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ " (يو11 :25 -26 ) وأما مريم ففازت باستجابة : " وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ تَعَالَ وَٱنْظُرْ " (يو11 :34 ) وأعقبه أكثر الأعداد قصراً : " بَكَى يَسُوعُ " (يو11 :35 ) وأخيراً , قام لعازر من الأموات : " وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاًٱ فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ " (يو11 :43 -44 ) .
آخر ذكر لمريم هو في يوحنا 12 , عندما صنعوا له عشاءاَ . لقد جلست دائماً عند قدميه . إذا تواجدنا في محضر الله عندها سنتميّز بتواضع حقيقي يراه الجميع . في ذلك الوقت , أظهرت مدى تقديرها لدرجة أن لا شيء " يغلى " على الرب يسوع . لقد قدّر يهوذا الإسخريوطي ثمن الناردين بثلاث مئة دينار : " «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا ٱلطِّيبُ بِثلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟" (يو12 :5 ) وهذا كان أجرة عمل لسنة كاملة ( مت 20 ) . إن العقل " الطّبيعي " ينتكص مما قد يظهر كتبذير , ولكن الرب يسوع مدح مريم لفطنتها : " فَقَالَ يَسُوعُ: «ﭐتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ " (يو12 :7 ) . إن مريم وحدها هي التي فازت بسكب الطّيب على رأسه لأنّه قام من الأموات في اليوم الأول من الأسبوع عندما جائت الأخريات لفعل ذلك ( مر 16 : 1 ) . لقد تمتّعت مريم بمحضره فأظهرت هنا بصيره لا يشاركها بها أحد .
آساف – وجهة نظر جديدة
يًذكَر إختبار آساف في مزمزر 73 , وتأثير الدخول لمقادس الله عليه : " حَتَّى دَخَلْتُ مَقَادِسَ ٱللهِ وَٱنْتَبَهْتُ إِلَى آخِرَتِهِمْ " مز73 :17 ) . يقسم هذا العدد المزمور إلى قسمين .
الأعداد ال-16 الأولى نرى إنساناً يحكم بحسب التقدير البشري حيث تظهر هذه الصّور وضعاً ميؤوس منه ومسبباً للحسد : " لأَنِّي غِرْتُ مِنَ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ ٱلأَشْرَارِ" (مز73 :3 ) حيث رأى " سلامة " ألأشرار , " قوّتهن " : " لأَنَّهُ لَيْسَتْ فِي مَوْتِهِمْ شَدَائِدُ وَجِسْمُهُمْ سَمِين "(مز73 :4 ) وعدم تورّطهم بأي مشاكل : " لَيْسُوا فِي تَعَبِ ٱلنَّاسِ وَمَعَ ٱلْبَشَرِ لاَ يُصَابُونَ " (مز73 :5 ) . إن الثّقة بالنّفس والتمرّد على الله ( عد 6 – 12 ) قاد آساف للشّعور أن سعيه للطّهارة هو عبثاً – لا طائل تحته : " حَقّاً قَدْ زَكَّيْتُ قَلْبِي بَاطِلاً وَغَسَلْتُ بِالنَّقَاوَةِ يَدَيَّ. وَكُنْتُ مُصَاباً ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ وَتَأَدَّبْتُ كُلَّ صَبَاحٍ. لَوْ قُلْتُ أُحَدِّثُ هَكَذَا لَغَدَرْتُ بِجِيلِ بَنِيكَ. فَلَمَّا قَصَدْتُ مَعْرِفَةَ هَذَا إِذَا هُوَ تَعَبٌ فِي عَيْنَيَّ " (مز73 :13 -16 ) . إننا لا نستطيع تجاهل أوجه الشّبه بين المكتوب بهذه العداد وما نراه اليوم حولنا . حقّا إن كلمة الله نافعة للأبد! كم هو مهم أن نتعلم درس آساف ! حقّاً أنّما " صَالِحٌ ٱللهُ لإِسْرَائِيلَ لأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ" (مز73 :1 ) . لقد صدر هذا الإقرار عن شخص رأى تلك الأحوال من المقدس , والذي رأى نهايتهم : " حَتَّى دَخَلْتُ مَقَادِسَ ٱللهِ وَٱنْتَبَهْتُ إِلَى آخِرَتِهِمْ. حَقّاً فِي مَزَالِقَ جَعَلْتَهُمْ. أَسْقَطْتَهُمْ إِلَى ٱلْبَوَارِ. كَيْفَ صَارُوا لِلْخَرَابِ بَغْتَةً! ٱضْمَحَلُّوا فَنُوا مِنَ ٱلدَّوَاهِي. كَحُلْمٍ عِنْدَ ٱلتَّيَقُّظِ يَا رَبُّ عِنْدَ ٱلتَّيَقُّظِ تَحْتَقِرُ خَيَالَهُم " (مز73 :17 -20 ) . ترى في كل كلمة نهاية غير متوقّعة ! يكتب بولس أيضاً : " لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌٱ حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ"(1تس5 :3 ) . نقر أننا من المنتظرين مجيء ربّنا ( لذا لن نتفاجئ ) . إذا عشنا في محضره , عندها ستتميّز حياتنا بتلك الثّقة المسيحيّة , وليس برجاء النّاس الكاذب ! بالنّقيض من الخراب المفاجئ – نصيب الأشرار يكتب آساف : " بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي. مَنْ لِي فِي ٱلسَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئاً فِي ٱلأَرْضِ" (مز73 :24 -25 ) . هذا هو مصدر ثقتنا – ثقة دفعت بولس ليكتب : " لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً" (2كو4 :17 ) وأيضاً : " فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا " (رو8 :18 ) .
إيليّا – شهادة لا تعرف الخوف !
" وَقَالَ إِيلِيَّا ٱلتِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هَذِهِ ٱلسِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي " (1مل17 :1 ) لقد وقف إيليا دون خوف مقابل الملك آخاب الشرّير لأنّه أدرك وقوفه بمحضر السيد إله إسرائيل . لقد وقف أمام ذاك الّذي أخذ على عاتقه قتل أنبياء الله : " أَلَمْ يُخْبَرْ سَيِّدِي بِمَا فَعَلْتُ حِينَ قَتَلَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ ٱلرَّبِّ، إِذْ خَبَّأْتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ ٱلرَّبِّ مِئَةَ رَجُلٍ، خَمْسِينَ خَمْسِينَ رَجُلاً فِي مَغَارَةٍ وَعُلْتُهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ؟ " (1مل18 :13 ) ومع ذلك , لم يلمسه أو يضرّه أحد ! إن فعلنا نحن هذا الأمر , فإنّ ألله سيقوّينا ويحامي عنّا ! نفس هذه المبادئ نراها أيضاً في الكنيسة الرضيّة . هكذا كان التّأثير على الرّسل حيث نقرأ : " وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ ٱلْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ " (اع5 :41 ) .
يأخذنا يعقوب لأبعد من هذا في إختبار إيليّا, بل إطارها التّاريخي : " كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ ٱلآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ" (يع5 :17 ) . فليس هو فقط الذي أنبئ بالجفاف بل صلاته هي التي جلبته . إن تحدّي يعقوب بكل بساطة أن إيليا لم يمتلك قوّة أكثر مما نملك نحن ! إذا سبق وتعلّمنا درسي الفطنة ووجهة النّظر , بمقدورنا الصّلاة بحسب مشيئته , مطالبين بالوعد وهو سوف يمنحنا إيّاه : " وَهَذِهِ هِيَ ٱلثِّقَةُ ٱلَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئاً حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا" (1يو5 :14 ) فيضع يعقوب أمامنا النّقيض تماماً : " تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيّاً لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ" (يع4 :3 ) .
موسى – الصّورة المتغيّرة
في إصحاح 34 من خروج , نقرأ عن الفترة الثّانية من الربعين يوماً , التي قضاها كوسى على الجبل مع الرّب . في النّهاية نقرأ : " وَلَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ ٱلْجَبَلِ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ مِنْ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ مَعَهُ " (خر34 :29 ) . من القسم الاول من العدد نتعلم أن تأثير المكوث في محضر الله لا يكون واضحاً لعيوننا نحن . بإدراك متاخّر , لربّما ندرك كيفيّة تغيّرنا , ولكن مع الوقت , سنشعر بعدم كفايتنا !أما القسم الثاني من الآية المتعلقة بموسى , يشرحه بولس لنا : " وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ ٱلصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلرُّوحِ" (2كو3 :18 ).امامنا عمليّة مستمرّة لا تتوقّف حتى تلك اللحظة المباركةى عندما نراه كما هو , لنتحوّل على صورة مجده الكاملة : " أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ"(1يو3 :2 ) . يا ليت يكون هذا همّنا الرئيسي , حتى وإن لن نحرزه يوما" , فهذا يمجّده أكثر مما تفعل كلماتنا !
تلخيص
إن المكوث في محضر الله سيؤثّر على تقديرنا للرب يسوع , وجهة نظرنا للظروف والأحوال , شهادتنا أمام النّاس وشخصيّتنا . كتب داوود الملك قائلاً :
" جَعَلْتُ ٱلرَّبَّ ... فَلاَ أَتَزَعْزَعُ " وكذلك "أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ" (مز16 :8 -11 ) .