كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



عبيد الرب

ينقسم سفر أشعياء الى قسمين :
الجزء الأوّل من إص 1 – 39 , وهو مكتوب في سياق تاريخي محدد .
الجزء الثّاني من إص 40 – 66 , فهو من الدب النبوي الصّرف . يسرد نبوّات تتعلّق بمجيئي المسيح وتعاملات الله مع شعبه في المستقبل .
يحتوي جزء من نبوات أشعيا التي تستهل الإصحاح 40 على سلسلة من الوعود بالبركة لإسرائيل ( "عزّوا , عزّوا " 40 : 1 , " إستيقظي , إستيقظي" , 52 : 1 ). تتركّز تلك الوعود على المسيّا , مبنيّة أساسً على الذبيحة الكفّاريّة ( " لا تخف لأني فديتك " 43: 1 ) , وتطبيقها الكامل سيتحقّق في ملكوت البر على الأرض . يوصف المسيح من الإصحاح 42 حتى 53 كعبد يهوة ( تسمّى إصحاحات "عبد يهوة ".قارن مثلاً : " هوذا عبدي الذي .. " (42: 1) , " ... الرب من البطن دعاني .. أتمجّد " (49: 1-3 ) ) وكيف أن الله سينجز مقاصده من خلاله .
إن الإعلان الأول " هوذا عبدي " (42 :1) يتناقض كليّة عمّا سبقه ( قارن 41 : 21) .يصف
الله إسرائيل , في إص 42 كعبده , متكلّماً بكلام تعزية للأمّة, ولكنّه يدين خطيّة عبادة الأوثان
(42 : 17 ) المحسوبة عليهم لفشلهم وعقابهم . وإذا كان لا بد وأن تأتي البركة فلن تكون
إلا من خلال الواحد الذي مثّل مصالح الله على نحو لائق وأكمل مشيئة الله بالكامل وليس
الشعب الإسرائيلي الذي فشل بأن يكون شهادة للأمم . لذلك اظهر المسيح الآن : " هُوَذَا عَبْدِي
الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ " (42:
1) . وهو الذي , بعمله الكفّاري سيرجع إسرائيل الى مركزه السابق كعبد الله . نرى هذا في
الإصحاحات 43 – 49 , حيث يتوجّه الله ثانية لشعبه كالعبد المفدي الذي قال عنه الرب :
"وَالآنَ هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ
بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي" (إش43 :1 )
"أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ.
قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ" (إش43 :10 )
"«وَالآنَ ٱسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي وَإِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ" (إش44 :1 )
"«اُذْكُرْ هَذِهِ يَا يَعْقُوبُ يَا إِسْرَائِيلُ فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَى مِنِّي" (إش44 :21 )
"«اُخْرُجُوا مِنْ بَابِلَ ٱهْرُبُوا مِنْ أَرْضِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ. بِصَوْتِ ٱلتَّرَنُّمِ أَخْبِرُوا. نَادُوا بِهَذَا. شَيِّعُوهُ إِلَى
أَقْصَى ٱلأَرْضِ. قُولُوا: قَدْ فَدَى ٱلرَّبُّ عَبْدَهُ يَعْقُوبَ"(إش48 :20 )
"وَقَالَ لِي: «أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ " (إش49 :3 )
العمى في الخدمة
ولكن الآن وفي إص 42 , بعد التنبؤ بعمل النعمة الذي سينجزه عبد يهوة , والطريقة التي بها سينجز هذا , توصف شخصيّته بتناقض ملفت للنظر . تقدّم هذه الصورة , بتعنيف شديد للشّعب , لثقتهم بأصنامهم المصهورة ( عد 17 ) , وبكونهم صم لصوت الله وعميان لإعلاناته : " أَيُّهَا ٱلصُّمُّ ٱسْمَعُوا. أَيُّهَا ٱلْعُمْيُ ٱنْظُرُوا لِتُبْصِرُوا. مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي وَأَصَمُّ كَرَسُولِي ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ وَأَعْمَى كَعَبْدِ ٱلرَّبِّ؟ نَاظِرٌ كَثِيراً وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ ٱلأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ. الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا "(إش42 :18 -21 ) . إن الإدّعاء هنا أن عبد الرب هو إسرائيل هو تفسير خاطيء . إن العبد في عد 19 ليس إلا ذاك الموصوف في الأعداد الأربعة الأولى من الإصحاح . لقد فشل إسرائيل في تسلّم إرشادات ناموس الله , فقد أغلقت آذانهم عن تحذيراته . آثامهم قد أعمتهم عن نور حقّه . دعنا لا نفشل في التذكّر مثل هذه الأمور التي أصبحت تحذيراً لنا حتى لا ننساق الى حالة اللاودكيين ونحتاج الى الكحل حتى نرى : " أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ...وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ"(رؤ3 :18 ) . إن الصمم والعمى لدى الشعب الإسرائيلي , الحاصل بسبب الإرتداد , سبب عدم الرّضى لله , ملفتاً أنظارهم الى صمم وعمى مقبول لديه والذي يميّز أيضا كل من أوقف نفسه لخدمة القدوس . عندما ستتطهّر الأمة من خطاياها وترجع تائبة لمسيّاها , عندها سيصدر المرسوم الإلهي : " أَخْرِجِ ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ وَٱلأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ. «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ ٱلأُمَمِ مَعاً وَلْتَلْتَئِمِ ٱلْقَبَائِلُ .. أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. (إش43 :8 ,10 ) .

تطبيق لخدمة يسوع
سنتأمل الآن بشخص المسيح كما بالنبوة :" مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي وَأَصَمُّ كَرَسُولِي ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ وَأَعْمَى كَعَبْدِ ٱلرَّبِّ؟ (إش42 :19 ) . إن الكلمة المترجمة " كالكامل " כמשולם " وهي من الجذر ש.ל.ם أي سلام أو كامل وهذا يفسّر كل شيء . يشير هذا الوصف الى حالة السّلام التي ترافق الخضوع التام لله . وقد تعني الكلمة : " الخاضع – השלם עם- , وهي أيضاً كإسم علم ( أنظر نحميا 3 : 4 , 6 , 30 وأماكن أخرى ) . إن الهدف العظيم الذي من أجله جاء إبن الله الى هذه الأرض هو عمل مشيئة الآب : " لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي" (يو6 :38 ) . لقد خاض الرب التجربة , والألم الذي صاحبها , بخضوع تام لمشيئة الله , رغم نفور البشر وعداوة قوى الظلمة ." تعلّم الطاعة مما تألم به " . لقد كان أصم لكل صوت أغواه ليبتعد عن طريق الطّاعة والخضوع للآب . لقد كان أعمى عن كل منظر خلّاب وجذّاب ليمنعه من تتميم مشيئة الله بالكامل . لقد ظهر هذا بوضوح تام عن البدء بخدمته الجمهوريّة . إن محاولة الشيطان إقناع الرب بتحويل الحجارة الى خبز ليشبع جوعه , أو إختبار قوة الله بإلقاء نفسه عن جناح الهيكل – وقعت على أذن صمّاء . إن مشهد القوّة والمجد لملكوت الأرض , كما قدّمه له الشيطان ليمتلكه حالاَ ( وليس في الملك الألفي ) , فقد واجهه الرب بعيون عمياء – لكل ما هو ليس لمجد الآب .
إنّ هذا التوجّه للعبد الكامل نراه مرّة أخرى عند جوابه لبطرس , لما أصبحت شفتيه أداة للشّيطان , ليغري الرب حتى يبعده عن طريق الصّليب : " فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ " (مت16 :23 ) .
يعطينا أشعياء في فقرة أخرى سر هذا التصرّف الثابت , عندما يكتب عن المسيا قائلاً : " أَعْطَانِي ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ لِسَانَ ٱلْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ ٱلْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ يُوقِظُ لِي أُذُناً لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. السَّيِّدُ ٱلرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُناً وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى ٱلْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ"(إش50 :4 -5 ) . إن الطريق التي سلك فيها الرب يسوع ,رغم كل المقاومة التي واجهته , إذ هو لم يعاند , قد قادته الى القول : " بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ ٱلْعَارِ وَٱلْبَصْقِ"(إش50 :6 ) .

التّطبيق لخدمة شعب الرب
" من هو اعمى كالكامل ( أي الذي سلامه معي ) " .كم هو صحيح هذا بالنّسبة للرب يسوع !!
إن الكمال أو السّلام هو الّذي كان يميّز الرب, كاملاً في شخصه , عاش بخضوع تام لله . إنّ هذا يسبغ على كلمات الرب يسوع : " سلامي أترك لكم , سلامي أعطيكم " بعداً عميقاً آخر . لم يكن هناك سلام كسلامه , لأنّه نبع من قلب مرتاح ومتّكل بالكامل على مشيئة الله. إنّ تمتّعنا بسلام الله هو بمقدار إلتصاقنا وتتميمنا لمشيئة الله في حياتنا , هكذا فقط نقدر كعبيد الله أن نسير وراء خطوات عبده الكامل . يا لها من نعمة أن نكون عميان عن كل ما يشوّش رؤيتنا للرب وعن الامور الأبديّة , ويمنعنا من رؤية ذاك الذي لا يرى ! فيا ليت ننظر مجد الرب بوجه مكشوف ونتغيّر الى نفس صورة مجده – من مجد الى مجد ! هكذا فقط نستطيع نحن الذين نلنا خدمة من الرب أن نقول مع الرسول بولس : "إِذاً ٱلْمَوْتُ يَعْمَلُ فِينَا، وَلَكِنِ ٱلْحَيَاةُ فِيكُمْ"(2كو4 :12). يا ليت نكون صم لكل صوت يفسد شركتنا مع الرب – لكل صوت يسلب عواطفنا منه ومن المجد الذي يستحقه رب المجد في حياتنا ! ليس من الصعوبة أن نرى العلاقة بين الآية : " الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا"(إش42 :21 ) مع الآية " من هو أعمى ..." . فهنا نرى التفسير الإلهي لحياة وخدمة العبد الكامل . لقد تمّت كل مطاليب الناموس في حياته : " وهكذا أتمّ كلّ بر " . لقد عظّم الشّريعة وكرّمها . إن شخصية المسيح كالعبد- الفتى كانت ثابتة في أذهان أتباعه في الأيام الأولى للكنيسة مبرهن من الصّلاه في أع 4 . " لأَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ ٱجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ ٱلَّذِي مَسَحْتَهُ هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ"(اع4 :27 ) وصلوا بعد ذلك بأن تحدث العجائب : " بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ وَلْتُجْرَ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِاسْمِ فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ" (عد 30 ) .

ملاحظات إجماليّة
يوجد في نبوات إشعيا أكثر مما سبق عن صفات العبد المتألّم-المسيح ولكننا تاملنا بالقليل فقط . لقد ذكر هذا في بداية ونهاية الاصحاح 53 ( آخذين بعين الإعتبار أن آخر ثلاثة أعداد من إص 52 هم بداية إص 53 ) . يقول يهوة :
" هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ " (إش52 :13 ) – يتكلّم عن خدمته أيّام تجسّده .
" يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً" (عد 13) – يتكلم عن قيامته , صعوده , جلوسه عن يمين العظمة وعن خدمته كرئيس كهنة وقوّة ملكوته .
يعقب ذلك نبوة عن تواضعه , آلامه , وموته الكفّاري . ولكن كل هذا نقرأه على ضوء الإعلان الأوّلي " هوذا عبدي " ( 42 : 1) . يقول عنه في نهاية الفصل : " لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ" وحتى هنا فإن العبد المبارك يظهر نعمته في مشاركة ثمار إنتصاره:"وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً " (إش53 :12 ).
يا ليت يكون نصيبنا أن نخدم كما خدم هو , وبعد ذلك نتشارك معه في أمجاده !!