كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



بشريّة المسيح الكاملة

تمهيد
إنّ ثبات أي بناء متعلّق بقوة الاساسات , ويجوز لنا أن نسأل عن أساس مبنى الايمان المسيحي .
يقول مرقس في بداية إنجيله : " بشارة يسوع المسيح إبن الله " ( 1 : 1 ) , ومن المؤكّد أنّ
العقيدة المسيحيّة تجد كنهها هنا . إنّ رسالة الملاك الى يوسف ( عن مريم ) تقول : " وستلد إبناً
وتسميه يسوع , لانّه يخلّص شعبه من خطاياهم " , وإذا إقتضت الضّرورة لمخلّص , فيجب أن
يكون " إنسان قابل للموت " لانّ الله سبق وأعلن أنّه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ولكن مكتوب
في المزامير : " الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ" ( 49 : 7 ) , لان الذّبيحة
يجب أن تكون كاملة بكمال الله ذاته . هنا إذاً يجب أن يكون أساس الخلاص : شخص الذي هو
إنسان كامل – الله الحقيقي . إشتكى أيوب قائلاً : " لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! ولكن
بملءالزّمان : " ... أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ،لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ
النَّامُوسِ،لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" ( غل 4 : 4 , 5 ) . فكما كانت أعمدة الدّعم والتّثبيت , ياكين وبوعز ,
أمام الهيكل بزمن سليمان الملك , هكذا بشريّة الرب يسوع الكاملة وإلوهيّته الكاملة يقفان على عتبة البناء المجيد الّذي تكشّف أمام عيون الايمان . لذلك , دعونا نجل ونقدّر بشريّة المخلّص الكاملة .
السر لنستهل الحديث بالقول : " وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ " ( 1 تيم 3 : 16 ) , فلنرتح على إعلان الايمان هذا حيث يفشل المنطق . عندما أعلن الملاك لمريم بشرى ميلاد المخلّص , هي نفسها سألت : " كيف يكون هذا ؟ " لا يوجد جواب منطقي لسؤال كهذا , فإنّ إيمانها وجد راحة كاملة بكونها : " خادمة الرب ... فليكن لي كما تقول " ( لو 1 : 38 ) قال أحد المفسرين ذات مرّة : " إنّ الحق المتعلّق ببشريّة المسيح الكاملة يجب أن يقبل بكونه بحسب الكتب ( بشكل دقيق ) , ويتمسّك به بقوة روحيّة , ويحافظ عليه بغيرة مقدّسة ويعترف به بقوّة سماويّة . إنّ الخطأبهذا الموضوع سيضلّنا ضلالاً مبيناً . إنّه حق عظيم , جوهري وأساسي , وإذا لم يقبل ويعترف به , كما أعلنهالله بكلمته المقدّسة , فإن أساسات إيماننا كلّه ستتزعزع .فلنحذر من النظريات الخاطئة بهذا الموضوع ونسعى لحفظ الدقّة الروحيّة .
بعض الهرطقات
هناك الكثير من الهرطقات القديمة ( والحديثة ) المتعلّقة ببشريّة ربنا يسوع المسيح . فهناك الدوسيين والذين ينكرون حقيقة التجسّد , فمنهم من يقول أنه كان جسداً بالظّاهر فقط ( " في شبه النّاس " ) والاخرين يؤمنون أنّه كائن سماوي خاص وفريد . يؤمن المونوفستيين أن هناك طبيعة واحدة للمسيح . أما المونوتيليين فيدّعون , أنّه رغم وجود طبيعتين للرب يسوع , ولكن لديه" مشيئة واحدة " , لذلك فهم ينكرون بشريّته الكاملة , لان لطبيعته البشريّة يجب أن تكون مشيئة بشريّة ( مختلفة ) .
الدقّة الكتابيّة
لما أرسل الله إبنه من السّماء فهو لم يخلق إتّحاد بين شخصين . فإنّ الذي ولد في بيت لحم , وكان ينمو في القامة والحكمة , وتألم ومات في الجلجثة هو نفسه الذي قال : " قبل إبراهيم أنا كائن " ( يو 17 : 5 ) , وهو نفسه الذي كان له المجد قبل أن يكون العالم : " بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ " ( يو 17 : 5 ) , ولذلك كان هو " صورة ( أي الجوهر الظّاهر ) الله "," آخذاً صورة عبد " , " وطاع حتى الموت " ( في 2 : 6 , 8 ) . هو الله الذي أصبح إنساناً : " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" ( يو 1 : 14 ) .
حقيقة بشريّته
إنّ بشريّة الرب يسوع لا تختلف بشيء عن بشريّتنا , فقد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطيّة :" لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيس كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ " ( عب 4 : 15 ) , " لأَنَّه  حَقّاً لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ " ( 2 : 16 , 17 ) . لقد أصبح إنساناً كاملاً ومتكاملاً , إمتلك روحاً ونفساً وجسداً : فقد قال في جثسيماني : " نفسيحزينة حتى الموت " ( مت 26 : 38 ) وعلى الصّليب : " يا أبتاه بين يديك أستودع روحي " (
لو 23 : 46 ) . يصف لوقا الرب يسوع المسيح في طفوليّته ( المبكّرة جدّاً ) فيقول : " وَكَان
َ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ " ( لو 2 : 40 ) فهو يتسآئل
ويقبل إرشادات أهله , وعند النضوج يصفه قائلاً : " وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ
وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" ( عد 52 ) . لقد " تعجّب " الرب يسوع من جواب قائد المئة : " لَمَّا
سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونه .. " ( مت 8 : 10 ) بسبب إيمانه العظيم ( وهو ليس من
إسرائيل ) . لقد رآه الجمع يبكي عندما مات لعازر فقالوا : "«انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ» , جُرِّبَ
في كل شيء , وجاع في البريّة , أصابه الكلل الحقيقي فجلس وتكلّم مع المرأة عند بئر سوخار وعطش وتالم وحزن وهو على الصّليب .
غضب وحزن لقساوة قلوب النّاس : " نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ" ( مر 3
: 5 ) وتهلّل بالروح القدس لان أمور الملكوت تكشّفت للاطفال وأخفيت عن حكماء هذا الدّهر :
" وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ" ( لو 10 : 21 ) .
كمال بشريّته
إن الشّهادة لكمال بشريّة الرب يسوع أتت من كل افراد المجتمع . فالحاكم بيلاطس لم يجد به علّة قط . قائد المئة أمام الصّليب شهد عنه أنه بالحقيقة بارّاً . أمّا من شفتي المجرم المصلوب , الذي عنّف صاحبه : " أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ " ( لو 23 : 41 ) .
أمّا بالنّسبة لنا فهو :
"... مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ. رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ. قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ.عَيْنَاهُ كَالْحَمَامِ
عَلَىمَجَارِي الْمِيَاهِ مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَنِ جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا. خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ.
شَفَتَاهُ سَوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرّاً مَائِعاً....طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ. فَتًى كَالأَرْزِ... هَذَا حَبِيبِي وَهَذَا خَلِيلِي يَا بَنَاتِ
أُورُشَلِيمَ" ( نش 5 : 9 , 16 ).