كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



يسوع كسابق لأجلنا

يخبرنا كاتب رسالة العبرانيين عن أمرين قد وضعا أمامنا:
هناك " الجهاد " أو السباق:"لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً … وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا" (عب12 :1 ) , وأبعد من ذلك , وبصورة أعظم هناك أيضاً " الرّجاء " , " حَتَّى .. نَحْنُ ٱلَّذِينَ ٱلْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا"(عب6 :18 ) . يلفت الكاتب أنظارنا , في الفقرتين السابقتين , للرب يسوع المسيح : " حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ " (عب6 :20 ) وكذلك : " نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ " (عب12 :2 ) . إن الرب يسوع هو مثالنا في الجهاد وضامن رجائنا . إننا مدعوون لتركيز أنظارنا على يسوع , عندما نركض في السباق ( أو الجهاد ) , بكونه رئيس الإيمان ومكمله حتى الإنتصار التام : " نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، ..." (عب12 :2 -3 ) ولكن وراء الجهاد والسباق هناك الرّجاء .
إستخدام تعبير " الموضوع أمامنا " يشير الى أن معنى كلمة "رجاء" هنا ليس المشاعر والأماني بل الى توقعاتنا المستقبلية : " مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ" (تي2 :13 ) . بهذا الرجاء المبارك ندخل " ..إِلَى مَا دَاخِلَ ٱلْحِجَابِ" (عب6 :19 ) . يشير هذا التعبير الى خيمة الإجتماع كمثال للأمور الروحية مشيراً الى ما : " َوَرَاءَ ٱلْحِجَابِ ٱلثَّانِي ...قُدْسُ ٱلأَقْدَاسِ " (عب9 :3 ) وكذلك " "كَلِّمْ هَارُونَ أَخَاكَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى ٱلْقُدْسِ دَاخِلَ ٱلْحِجَابِ أَمَامَ .. أَتَرَاءَى عَلَى ٱلْغِطَاءِ" (لا16 :2 ) وهذا إشارة الى محضر الله بالذات .
لا يصف العهد الجديد ( عادة) رجاء المؤمن بتعابير مكانية بل يشدد على " شخص " :
" ...لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ " (في1 :23 )
" ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ... فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ" (1تس4 :17 )
" ... هَؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا .."(يو17 :24 )
" .. يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، رَجَائِنَا.." (1تيمو1 :1 )
يخبرنا الكتاب أن رجاء المؤمن هو كمرساة للنفس ( 6: 19) . فالمؤمنين بحاجة الى أمر يحفظ نفوسهم آمنة في وسط العواصف الكثيرة . " لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إِلَى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ " (عب2 :1 ) . لقد تربص الخطر دائما ًللمؤمنين حتى ينساقوا " بتعاليم متنوعة وغريبة " بعيدا عن الإيمان المسيحي الحقيقي . يرفض الكاتب النظام اليهودي بكل قوته وأخذ يتكلم عن امور أفضل! ولكن أي جواب لديه للإضطهاد والآلام ؟؟ إن الجواب هو " رجاء المسيحي " . هذه هي المرساة التي يحتاجها قراءه أمس الحاجة !! ويحثنا الكاتب نحن أيضاً :" لنتقدم " (6: 1) على ضؤ " الرجاء الموضوع أمامنا " (عد 18 ) .فدعونا نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا ( أو بترجمة أخرى : " نركض في السباق الموضوع امامنا ")
لقد إرتحل المجوس من المشرق لينظروا يسوع ( مت 2 : 1 – 12 ) , وسمعان قد إنتظر كل حياته ليراه ( لو 2 : 25- 30) وزكا تسلق الشجرة (19 : 3 – 4 ) , وسأل اليونانيون أن يروا الرب ( يو 12 : 20 -21) . أما نحن , فالتوقع الأخاذ الموضوع أمامنا هو اننا "سنراه كما هو " ( 1يو 2 : 2) . من جهة أخرى , وفي مواضع قليلة , يكلمنا الكتاب عن الرجاء بمفاهيم مكانيّة . نتعلم عن هذا المكان :
1) أنه قد " أعدّ " لنا ( يو 14: 2-3 )
2) محفوظ لنا ( 1 بط 1: 4)
3) دخل به لأجلنا ( عب 6: 20)
إن اليقين بحتمية دخولنا محضر الله مبني على الحقيقة أن يسوع قد سبق ودخل الى هناك قبلنا عاملاً ذلك بصفته " سابق لأجلنا " . هذا يعني أن رجاؤنا هناك (عد 19 ) لأن مخلصنا موجود هناك ( عد 20 ) .تعني كلمة سابق لأجلنا " Prodro-mos" : ذلك الشخص الذي يركض أمامنا ويسبقنا . إن إستعمالها في الترجمة السبعينية ( العهد القديم في اللغة اليونانية ) مقصور على سفر العدد " ... وَأَمَّا ٱلأَيَّامُ فَكَانَتْ أَيَّامَ بَاكُورَاتِ ٱلعِنَبِ( أي أيام الربيع) " (عد13 :20 ) وكذلك أشعيا " ... كَبَاكُورَةِ ٱلتِّينِ ( الفج) قَبْلَ ٱلصَّيْفِ " (إش28 :4 ) وهنا في الرساله الى العبرانيين , لذلك فإن إستخدامها في اليونانية العادية مثير جدّاً . أما الكلمة في الجمع "prodomoi" فهي تعبير عسكري يصف الطلائعيين المرسلين أمام الجيش لإستكشاف المنطقة أمامه , فقد كانت تشن هذه القوة الإستكشافية الهجمات المفاجأة لتخمين قدرة جيش العدو . لقد إمتلك إسكندر المكدوني – أحد أشهر قواد الحرب في العالم – هيئة خاصّة من سلاح الفرسان والذين عملوا كجوّاله , راكبين ومناوشين . هؤلاء هم أل prodomoi ووظيفتهم الأساسية ضمان سلامة الجيش الأساسي الذي يسير ورائهم . لقد إستخدمت الكلمة في سياق البحرية , لتصف مجموعة السفن الصغيرة والسريعة المرسله أمام الأسطول . لقد كانت وظيفتهم أن يضربوا سفن العدو بغتة , ليجعلوا الطريق سالما وأميناً أمام السفن الكبيرة . لقد إستخدمت لوصف ذلك القارب المتقدم الذي كان يسوق السفن العظيمة داخل القناة أو ميناء الإسكندرية , والذي يعتبر ميناءا خطيرا جدا ومن الصعب الرسو فيه . إن أمرا واحدا أكيد : أن الكلمة " سابقا " تشير الى شخص يذهب في المقدمة ليجعل الطريق آمنا من أجل الآخرين ليتبعوه ( لهذا السبب لم يستخدم العهد الجديد هذا اللقب عن يوحنا المعمدان " كالسابق " للمسيح , كما فعل جبران خليل جبران في كتابه " السابق " ) . يذكر الكتاب في الفقرة التي نتأمل فيها عن يسوع المسيح كونه " رئيس كهنة " ( عب 6 : 20 ) , ولكن هذه الرتبة ( الوظيفة ) قد قصرت عن نقل كل فكر الكاتب . فكرئيس كهنة , يقدم الرب
يسوع نفسه ذبيحة " ... حَتَّى يُكَفِّرَ(عن) خَطَايَا ٱلشَّعْبِ" (عب2 :17 ) وهكذا نتقدم به الى الله : " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى ٱلتَّمَامِ ٱلَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى ٱللهِ" (عب7 :25 ) . لم يكن من دور الكاهن أن يقود الآخرين الى محضر الله . من غير المعقول أن يدخل هارون الأقداس في يوم الكفارة على رأس مجموعة من الرجال !! لذلك يستخدم الكاتب صفة " رئيس كهنة " مع الوصف " سابق لأجلنا " . لقد قام المسيح من الأموات وصار " باكورة الراقدين " ( 1 كو 15 : 20 – 23) . هذه هي الضمانة أنه إذا متنا لا بد وسنقوم من بين الأموات منتصرين . لقد دخل السماوات كسابق لأجلنا . وهذه هي الضمانة أننا نحن أيضاً سوف ندخل لنفس المكان الذي ذهب إليه . هناك العديد من الفقرات في الرسالة الى العبرانيين تشير الى المسيح بكونه قد " دخل السماوات " .
1) " ... تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ ٱلْحِجَابِ، حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِقٍ لأَجْلِنَا، صَائِراً عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى ٱلأَبَدِ " (عب6 :18 -20 ) – ناظرا الى الأمام .
2) " وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى ٱلأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً" (عب9 :12 ) – ناظرا الى الوراء , مذكرا إيانا بأمور حدثت في الماضي : فهو دخل ووجد فداءً أبدياً .
3) " لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ ٱلآنَ أَمَامَ وَجْهِ ٱللهِ لأَجْلِنَا" (عب9 :24 ) – ناظرا الى الأعلى ويذكر بعض الأمور في الحاضر فالرب يظهر " الآن " بمحضر الله . عندما نضع هذه الفقرات سوية نلاحظ أن كل شيء قد صنع " لأجلنا " :
1) فلأجلنا قد دخل ووجد فداءً أبدياً وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى ٱلأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً" (عب9 :12 ) .
2) ولأجلنا " يظهر الآن أمام وجه الله " ( 9: 24) .
3) ولأجلنا دخل السماوات كسابق ( 6 :20) .
لاحظ كيف أن الكاتب يستخدم الماضي والحاضر والمستقبل لوصف امجاد الرب يسوع , فمثلا:
" أَخْضَعْتَ ( بالماضي ) كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ ٱلْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ - عَلَى أَنَّنَا ٱلآنَ ( الحاضر) لَسْنَا نَرَى ٱلْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعاً لَهُ - وَلَكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ،( سوف) نَرَاهُ(المستقبل) مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللهِ ٱلْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ."(عب2 :8 -9 )
" لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ ٱلآنَ ( الحاضر) أَمَامَ وَجْهِ ٱللهِ لأَجْلِنَا. وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ إِلَى ٱلأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلَكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً ( الماضي)عِنْدَ ٱنْقِضَاءِ ٱلدُّهُورِ لِيُبْطِلَ ٱلْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ، هَكَذَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً ( المستقبل) بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ."(عب9 :24 -28 )
" يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ. (عب13 :8 )