كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



رب الحصاد

مقدّمة
"وَإِذَا بِبُوعَزَ قَدْ جَاءَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ: «الرَّبُّ مَعَكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ». فَقَالَ بُوعَزُ لِغُلاَمِهِ ٱلْمُوَكَّلِ عَلَى ٱلْحَصَّادِينَ: «لِمَنْ هَذِهِ ٱلْفَتَاةُ؟» فَأَجَابَ: «هِيَ فَتَاةٌ مُوآبِيَّةٌ قَدْ رَجَعَتْ مَعَ نُعْمِي مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ, وَقَالَتْ: دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلآنَ. قَلِيلاً مَّا لَبِثَتْ فِي ٱلْبَيْتِ». فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ... لاَ تَبْرَحِي مِنْ هَهُنَا, بَلْ هُنَا لاَزِمِي فَتَيَاتِي. عَيْنَاكِ عَلَى ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي يَحْصُدُونَ وَٱذْهَبِي وَرَاءَهُمْ ... " ... فَقَالَ لَهَا بُوعَزُ: «عِنْدَ وَقْتِ ٱلأَكْلِ تَقَدَّمِي إِلَى هَهُنَا وَكُلِي مِنَ ٱلْخُبْزِ وَٱغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي ٱلْخَلِّ»...فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ: «دَعُوهَا تَلْتَقِطْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ أَيْضاً وَلاَ تُؤْذُوهَا. وَأَنْسِلُوا أَيْضاً لَهَا مِنَ ٱلْحُزَمِ وَدَعُوهَا تَلْتَقِطْ وَلاَ تَنْتَهِرُوهَا». (را2 :4 -16 ) .
يعبّر لقب " رب الحصاد " – خصوصاً , لأولئك الذين قضوا السنين الطويلة في حقول الحصاد – عن إهتمام الله العظيم في عمل ضم النفوس للمسيح . لقد أظهر بوعز , عندما كان يتمشّى بين حصّاديه , إهتماماً بجميع العاملين في حقله , منتبهاً لكل ما يحدث به , متكلّماً عن " حصادي " ( راعوت 2 : 21 ) . تعبر الصورة السابقة – ولو بصورة واهية – عن علاقة الله الوثيقة بكل ما يحدث في حقول الحصاد الروحي . إن هذا يبرر سعينا لنتعلّم معنى هذا اللقب , آخذين بعين الإعتبار ما نعرفه نحن عن الزراعة والحصاد الطّبيعي , والذي نقدم الشكر لله عليه .
1) المزارع يخطط للحصاد
إن فعل الزراعة والحصاد هو بعيد كل البعد عن الصدف , فعلى المزارع أن يعد الخطط ويتخيل المحصول قبل أن يبدأ العمل في الحقل – أي والموضوع بعد في فكر المزارع , فهذه أول خطوة يجب أخذها والتي ستنتج – على الرجاء – وفرة في حقول القمح الذهبيّة . هوذا قرب اليوم القادم , عندها سيجمع الحصاد , فيملئ أهراء السماء – يملئها لمسرة قلب الله , وذلك لأنها ستكون من نفس نوع البذار الأصليّة , الرب يسوع المسيح , حبة الحنطة التي سقطت في التربة وماتت , وأتت بثمر كثير . ولكن كل هذا لن يكون وليد الصدفة بل هو ثمر تخطيط تشكّل في المقاصد الإلهيّة . يجب أن تحصل الكثير من التغييرات قبل أن تتحوّل الصلوات لحقول قمح , ولكن الحاجة الى تغييرات أعظم لتحويل أناس خطاة " لأبناء كثيرين " والذي سيحضرهم الى المجد .إن الحقل هو العالم , ونحن لا نستطيع التوقف عن التعجّب من النعمة التي إختارت حقول كهذه غير واعدة لتتميم مقاصده الأزليّة .
2) المزارع هو الذي يتحمّل تكاليف الحصاد
أشهر كثيره قبل الحصاد , تبدأ إستثمارات المزارع : يجب عليه أولا أن يدفع ثمن الحقل , واقتناء البذور , ودفع أجور العمال بأوانها , وتزويد المزرعه بأدوات ثمينة , ليتم إنجاز الأعمال الضرورية مثل : قلب الأرض , الحراثة , التسميد والتبذير . فهو يستطيع تخمين – بدقة كافية – كل التكاليف والحاجيّات التي ستظهر , ولكن ماذا نستطيع القول عن التكلفة اللا نهائية للحصاد الروحي ؟
بالرغم من عدم التنشابه , فإن الله عرف الثمن العظيم المطلوب دفعه ومدى المردود المنتظر من هذه الأرض الخاطية – الملعونه !!
إن المزارع لا يستطيع التنبؤ بنوعية الحصاد , فهو يفلح على رجاء وينتظر بصبر , متّكل على وعد الله لنوح قبل زمان طويل : " مُدَّةَ كُلِّ أَيَّامِ ٱلأَرْضِ زَرْعٌ وَحَصَادٌ وَبَرْدٌ وَحَرٌّ وَصَيْفٌ وَشِتَاءٌ وَنَهَارٌ وَلَيْلٌ لاَ تَزَالُ". (تك8 :22 ) . إن التغيّر في النتائج أمر عظيم للغاية , وهكذا أيضاً الفرح بالحصاد . يحدث أحياناً – وإن كان نادراً – أن يجد المزارع نفسه قد عمل دون فائدة .
أما تكلفة الحصاد الالهي اللانهائيّة – بوضع المخلّص حياته لإنجاحه , فلا بد أن يرى ثمر تعبه ويفرح . يجب أن يكون فرحه كاملاً .
3) المزارع يرحب بالمساعدة في الحصاد
هناك ايام ضغط في الحصاد , حيث يجند المزارع كل واحد للخدمة – هناك عمل لجميع الّذين يريدون المساعدة . ليس فقط أن الرجال مشغولين في الحقول بل أن " روح الحصاد " يغمر كل عمّال المزرعة , حتى اعضاء البيت أنفسهم . هناك الكثير الذي يجب إنجازه , وبالإمكان إيجاد مهمات لكل من يرغب في المساعدة . هناك وجبات يجب أن ترسل , وأكداس يجب أن تجمع للأهراء – والإثنين بنفس درجة الأهميّة , فالمهمّات قد تكون كثيرة ومتنوّعة , ولكن الحصاد واحد !!
هكذا أيضاً في حقول حصاد الله , هناك عمل لكل واحد فينا بمقدوره إنجازه ! إن الحاجة في الحصاد هو الى " الفعلة " . وهذه الكلمة مرتبطة بفعّاليات روحية متنوّعة . هناك الّذين يعملون في الكلمة والتّعليم , ونقرأ عن اولئك العاملين في الصّلاة , وآخرين كانت خدمتهم عمل محبّة . هل يستطيع أي مؤمن القول : " أنا لا أستطيع على هذا " , وأن يلتزم بأحد تلك الخدمات ؟ لقد كان بولس سعيداً جدّاً ليقر بالإسم عدد الرجال والنّساء , في نهاية رسالة رومية , مقدّراً العمل العظيم الذي قاموا به لنشر الإنجيل تقديراً عظيماً , والذي قد يحسب عملهم هذا من قبل البعض بكونه غير مهم:
" سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ ٱلْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ " (رو16 :3 )
" سَلِّمُوا عَلَى أُورْبَانُوسَ ٱلْعَامِلِ مَعَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ ..." (رو16 :9 )
4) المزارع يوجّه رجاله
على الرغم من فعّاليّة عامل المزرعة العادي , فإن الحصاد لن يتقدّم بصورة مرضيّة , إذا فعل كل إنسان ما يحسن في عينيه . إن المزارع الذي يرى المزرعة ككل هو الذي يجب أن يخطط برنامج العمل اليومي , ومع كل هذا فهو لا يفعل ذلك بصورة كاملة , لسبب بسيط , فهو لا يعلم ما يحمله يوم غد !
إن رب حصادنا ليس لديه مثل هذه المحدوديّات – فهو يعرف النهاية من البداية , وأفضل الطرق لإنجاز عمله للنهاية . عندما يعطي عملا لكل واحد , فهو لا يخطئ , ليس بالنسبة لمقدراتنا أو الأحداث التي سوف تحصل . فكما يأتي الرجال كل يوم الى المزرعة في الصباح لأخذ التعليمات لعمل اليوم نفسه , هكذا هي مسؤوليّتنا لأخذ الأوامر مباشرة من الرب . إن المزارع لا يستطيع أن يوجّه رجاله بشكل صائب إذا لم يتوجّهوا إليه !! في الحياة العمليّة , يفرح المزارع دائماً بتسلّم إقتراحات من رجاله – لأن هذا يبرهن – على أقل تقدير , على إهتمامهم بالعمل , وهذا يؤثر بشكل كبير على العلاقة بين السيّد والفعلة .
إن سيدنا يشجّع مشاركتنا – ألا ترى ذلك بدعوة الصّلاة لرب الحصاد ليرسل فعلة لحقله ؟تبرهن هذه الصّلاة بصورة قاطعة على ان العمل في قلوب الفعلة , وبمدى إهتمامهم بالعمل نفسه !
5) المزارع يجهّز عمّاله
قد يبدو في مثل هذه الأيّام , أنه من المستحيل إنجاز كل المهام المتعلّقة بجمع الحصاد دون الإستعانه بكل انواع الماكينات المعقّدة , وبالإضافة للأدوات البسيطة والتقليديّة . من واجب المزارع أن يقرر من سيستعمل التجهيزات المختلفة . هناك من سيؤتمن على الجرار , وآخر قد يشغّل الحصّادة – بينما آخرون سيعملون بأيديهم , كل واحد هو جزء من فريق والحصاد متعلّق بأمانة كل واحد – إن الكثير من عمل اليوم العظيم يعمل بالمنجل المتواضع . مهما كان العمل , فإن المزارع يقدّر الأمانة به , لإن المهمّات والادوات من إختيار المزارع . هو الحاكم الأمثل للملائمة بين العامل والعمل . أما عبيد الله مجهّزين بصورة مختلفة : " قاسماً لكل واحد حسب رأي مشيئته " ومن الغباء لنا أن نغار من هبات الآخرين وكأنها أفضل . فبالأخير , الجرار تابع للمزارع , وليس لذاك الذي إئتمن عليه . إن أكثر الجرارات تطوّراً وحداثة وكل توابعه , بحاجة الى عامل نشيط لجمع الحزم المتساقطة منها !! أما لقائد ذلك الجرار فتقول كلمة الله , كما قالت لتلك الكنيسة التي تعج بالمواهب : " أي شيء لديكم لم تعطوا من فوق ؟ " .
6) المزارع يشجّع رجاله
إن السيّد الحكيم يشجّع رجاله – إن العامل الجيّد يثمّن ويقدّر هذا فيعمل جهداً مضاعفاً ويعطي أفضل ما عنده . إن سيدنا الحكيم والمنعم , لا يفشل أبداً بأن يشجّع عبيده الأمناء – بل هو يعمل اكثر من ذلك : فهو يقوّيهم . لربما إستطاع المزارع أن يعيّن رجلاً لمهمّة ما , ويعطيه جميع التجهيزات الضروريّة , ولكن لا يستطيع أن يهب ذلك الإنسان الطاقة اللازمة , والتي بدونها لا توجد أي اهميّة لأي شيء آخر . إن الطاقة البشرية في المجال الروحي هي بدون فائدة – بدون القوّة الممنوحة من الروح القدس , لن ينجز أي شيء يذكر ! إن الله يجب أن يعمل من خلال عبده . إن الموهبة الروحية شيء , والقوة لإستخدامها بصورة فعّاله شيء آخر . إن الجرار والمنجل هما بدون فائدة – بدون الطاقة لإستخدامهما ! إن القوة الجسديّة والمقدرة العقلية , تستطيع إنجاز الكثير في الحقول البشريّة , ولكن اكثر الإخوة موهبة وطاقة لا يستطيعون إنجاز شيء دون قوة الروح القدس .
7) المزارع يعمل مع رجاله
إن محضر , ومساعدة رب العمل في الحقل , يؤثر كثيراً على الحصاد نفسه ! ولا أي مزارع يحب أن يترك حقله وقت الحصاد . إن الله لا يعمل فقط من خلال عبيده , بل أيضاً معهم . إن فكرة الله غير المبالي , والذي يحرك الأمور عن بعد ومعزول عن العالم مناقض على طول الخط لما كشفه الله عن ذاته . عندما مسك الفريسي المغرور ممسكاً على الرب , بسبب أعمال الرحمة التي لا تكل – يشفي حتى يوم السبت , أجابه الرب يسوع باستعمال مثل أبيه : " إن أبي يعمل وأنا أعمل " , إن الرسل الذين تبعوه رأوا أي عامل عظيم هو ! إذا كان من واجب المزارع النهوض باكراً لينجز يوماً كاملاً في الحصاد , فإن النبي يستخدم تعبيراً مشابهاً عن الله حتى ينقل لعقولنا الصغيرة مدى جديّة الله . عندما أرسل الرب يسوع المسيح رسله " لكل العالم " قال : ها أنا معكم كل الأيّام " . لقد أذاب بولس قولب شركائه عندما إستخدم التّعبير " العاملين معاً " ! ولكنه أضاف : " مع الله " !
إن كان حضور بوعز المحبوب والمحترم وتنقّله بين الحصّادين سبب ذلك الفرح والإبتهاج لهم فكم هو أكثر مدى تأثير رب الحصاد معنا بعملنا لأجله !!
8) المزارع يدفع أجور عمّاله
في كل حقل من حقول الأعمال , يقدّم هناك مردود عن كل مجهود , فالأجرة هي موضوع لا بد منه . كان في ايام يعقوب أناساً قد بخسوا بعض العمّال حقوقهم , اما رب الحصاد فلن يفشل في هذا أبداً : " إن العامل مستحق أجرته " هو القانون الثّابت – لقد اقرّ الله حق الثور ان يأكل من الحصاد الّذي يدرسه . إنّ أجرة عبد المسيح ستكون أثمن بما لا يقاس من أموال هذا العالم . فإن الزارع والحاصد سيفرحان سويّةً . عادة ما يدفع المزارع حسب مدّة العمل – فقد يتم الحصاد بيوم واحد وقد لا ينجز في اليوم التالي بسبب الطّقس . إن الفعلة غير ملامين لسبب ذلك ! فهم قد فعلوا أفضل ما عندهم ! يصرّح الكتاب : " سينال كل واحد حسب أعماله " .
إن الأمانة والغيرة في إستخدام الفرص المتاحة , والرغبة في إستغلال مواهبنا على أفضل وجه , والخضوع لإرشادات السيّد , والتشجّع بمحضره , والتشدّد بروحه – كل هذا سيضمن لذلك العامل المتواضع الأجر الكامل : " نعمّا لكَ أيّها العبد الصّالح , كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير " .