كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



الصّليب والنير

المقدّمة
" ومن لا بأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني " ( مت 10 : 38 )
" إحملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم " ( مت 11 : 29 )
نرى هنا أداتين خشبيّتين , كلتيهما معروفتين في ذلك الزمن في إسرائيل. يتوقّع الرب من المؤمن أن يحمل الصّليب والنّير .إن التطبيق مهم جدّا لحياتنا . يحضر الصّليب امامنا حالاً أفكار الموت , أما النّير فأفكار الشّركة . إذا شوهد شخص حاملا الصّليب في إسرائيل , لإستنتج الجميع أنّه ذاهب الى الموت , فالصّليب هو العقاب القاسي والبربري الذي طبّقه الرومان ( واليهود أحياناً ) كعقاب لأقسى المجرمين . أما النير , من الجهة الأخرى , فكان عارضة خشبية توضع على عنقي حيوانين عاملين سوية في الحقل . ولذلك , فعندما يدعو المخلّص الإنسان لحمل هاتين الأداتين , فهو يناديهم للإلتزام بحالة الموت والسير في هذه الحياة بشركة حقيقة معه . فالصّليب يتحدّث عن الموت والنير يتحدّث عن الحياة . يوجد هنا اهمية كبرى للترتيب بحسب البشير متى , أي أنّه من المستحيل أن تكون شركة شخصيّة مع المسيح قبل أن يتبنّى الفرد معنى الصّليب لحياته ! يجب أن نموت عن أنفسنا أوّلاً قبل أن نسير معه . إننا لا نقدر على التمتّع ببركات النير قبل أن نقبل معنى الصّليب لحياتنا بكل إنكسار وخضوع . إنه ليس عبثاً أن نقرأ في الشاهد الأوّل " من لا يأخذ صليبه " وفي الثّاني : " إحملوا نيري " , أي الحديث عن صليب المؤمن ونير المسيح ! إن الحديث عن صليب المؤمن يعني أن هذا ما يستحقّه الإنسان الخاطئ : " أجرة الخطيّة موت " ( رو 6 : 23 ) . وبالنّقيض , وبما أن الحديث عن نير المسيح وليس عن نيرنا , يعني أنّه هو المبادر بتوفير الشركة لكل واحد فينا . ليس أنّه هو الذي يريد أن يشاركني في نيري , بل أنا مدعو لأشاركه في نيره . الرب غير مدعو للسير في طريقي , بل أنا مدعو للسير معه في الطّريق . يحمي هذا الحق المؤمن من الكثير من المشاكل التي تواجهه اليوم ( خصوصاً عندما يسأل : " هل مسموح الذّهاب الى السّينما ؟ أو " هل من المناسب أن أعمل كذا وكذا ؟ " ولكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نسأله : " هل الرب هو الذي يقود خطواتنا في ذاك الإتّجاه ؟ أيتطابق مع نفس إتّجاه سير الرب – كون الإثنين تحت نفس النّير ) . إن الفرق الأساسي بين الصّليب والنير أن الأول وظيفته أن يفصلني عن العالم والأخير أن يربطني بالمسيح : لا يمكن أن تمتلك الواحد دون الآخر !

الصّليب
سنتطرّق الان الى معنى الصّليب بأكثر دقّة . إن الذي يشجّع التلاميذ على التجاوب مع دعوة المسيح ان الرب قد حمل الصّليب قبلهم . لقد ظلّلت الجلجثة – دون شك – على طريق الرب يسوع من اوّلها لآخرها وهو على الأرض . لقد عرف كل شيء وأن موته سيكون موت العار والألام . تشير الأعداد السابقة لتوقّعات الرب من تلاميذه السّير في نفس الطّريق الى الموت الوشيك . لقد وضع الرب يسوع كل إهتمامات وأطماع العالم من وراء ظهره . كان يشغله شؤون العالم الآتي وليس الحاضر الذي يعيشه .ينادي الرب تلاميذه ليعتنقوا وجهة نظر مماثلة للعالم , بوسائل عديدة . يجب أن يدركوا أنّه يطلب الأولويّة بمحبّتهم واحشائهم على امور العالم . يجب أن تخضع طموحاتنا الأرضية لمشيئة الله بالكامل وتتوافق مع خطّته تعالى لنا .
من المهم ملاحظة الحقيقة أنّه عندما نترك الأناجيل , فلا نقرأ ثانية عن طلب الرب من تلاميذه أخذ الصّليب .إن حق الصّليب بقي هو الغالب . لم كتب بولس قط للمؤمنين في رسائله طالباً منهم أن يأخذوا الصّليب ويتبعوا المسيح , ولكن ما فعله , وبتشديد متواصل , هو أن يكتب ويعلّمهم أنهم قد صلبوا مع المسيح ( غل 2 : 20 , رو 6 وأماكن أخرى عديدة ) . لقد توقع الرب قبل الصلب أن يكون عند التّلاميذ الإستعداد حتى الموت معه على الصّليب ( بالمستقبل القريب ) , ولكن بعد الجلجثة , من المتوقّع أن يسيروا على أساس أنّهم قد صلبوا معه ( بالماضي ) . نحن , مؤمني القرن الحادي والعشرين , فنقع ضمن الفئة الخيرة . الوجهة الثانية لمعنى صلب المسيح لنا . إن نموّنا الروحي متعلّق بمدى تشرّبنا لهذا الحق والعمل فيه . هذا نراه أيضاص في رسائل بولس :
" وأما من جهّتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربّنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم " ( غل 6 : 14 )
" فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق , حيث المسيح جالس عن يمين الله , إهتموا بما فوق لا بما على الأرض , لأنّكم قد متّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله " ( كو 3 : 1- 3) .

النّير
إن دعوة الرب هي جزء من فقرة مشهورة في مت 11 : 28 – 30 . قبل أن نتعمّق في دراسة الدعوة نفسها , لنتامّل كل الفقرة ونرى تطوّر الفكرة حيث تعتبر الدعوة القمّة في الفقرة التي تبدأ بعدد 20 . يمكن تقسيم الفقرة الى ثلاثة أقسام واضحه :
1) التشديد على التوبة ( عد 20 – 24 )
يبرهن ظهور الفعل تاب مرّتين في هذا القسم ( تتب – عد 20 , وتابتا – عد 21 ) على الرسالة التي قصدها الرب هنا . إن الأعمال العظيمة التي صنعها الرب في كورزين , بيت صيدا وكفر ناحوم هدفها تحضير الناس الى التوبة بإبهارهم بالزيارة الإلهيّة كما تجسّدت بمجيء الرب يسوع على الأرض . لقد رفض الناس التوبة بسبب كبريائهم , فكان لا بد وأن يعقب ذلك دينونة وخيمة يوم الدين .
2) التّشديد على الإعلان ( عد 25 – 27 )
مرّة أخرى يظهر الفعل أعلن مرّتين في هذا القسم مشيراً الى مركزيّة الموضوع ( أعلنتها – عد 25 , ويعلن – عد 27 ) . في العدد 25 الآب هو المعلن العظيم , مظهراً للبشر معنى التدخّل الإلهي الذي ظهر بتلك الأيّام . أما عدد 27 فيظهر أن الإبن هو المعلن العظيم معرّفاً البشر بشخص وصفات الآب ( كما رآها هو ) .
3) التشديد على الرّاحة ( عد 28 – 30 )
تظهر كلمة راحة مرّتين في هذا القسم ( " وأنا اريحكم " – عد 28 , " فتجدون راحة " – عد 29 ) . هذا يكمل سلسلة ثلاثية من الحق كقاعدة ثابتة هدفها إختبار الإنسان مع الله . يبدأ هذا الإختبار بالتوّبة , يتبعه بعد ذلك الإعلان وأخيراً الرّاحة . إن الخطاة غير التّائبين لا يستطيعوا التوقّع بأن يظهر الله لهم ذاته وبذلك يرفض الراحة العظمى للقلب والفكر الذي سينتجه الإعلان الإلهي في حياته . نقرأ في هذا القسم عن أربعة أفعال : تعالوا – إحملوا – تعلّموا – تجدوا .
1) توجّهنا للمسيح – " تعالوا إليّ "
لقد قال الرب لتوّه : " لا أحد يعرف الآب الا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له " (عد 27 ) . يحث هذا ألإعلان أذهاننا لنسأل بعفويّة : " لمن سيفعل الإبن هذا الأمر العظيم ولمن هذه البركة التي لا يدانيها بركة ومن نصيب من ستكون ؟ " والجواب على مثل هذا السؤال هو " تعالوا إلي " ! ها هي دعوة مفتوحة بدون تحفّظ للبشر بالتوجّه للمخلّص بدون تاخير أو تردّد أو تسويف . لم تفقد هذه الدّعوة من بريقها أي لمعان رغم مرور ألفي عام عليها . إن مؤهّلات المدعوّوين واضحة جدّاً : " المتعبين وثقيلي الأحمال " . إن الدعوة غير موجّهة للمستقلّين , الرّاضين عن انفسهم , والذين يظنون أن لديهم الكفاءة ليدبّروا أمورهم متمتّعين بانفسهم . إنّها دعوة للمتعبين المثقلين , والتي أصبحت الحياة لديهم عبءً . لربّما كان في ذهن الرب عندما تكلم في هذا الموضوع حقيقة كون إسرائيل ترزح تحت كاهل اثقال النّاموس والتّقاليد البشريّة الخاطئة والتي حمّلهم إيّاها قادتهم الدينيين من كتبة وفرّيسيين : " فإنّهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف النّاس وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم " ( مت 23 : 4 ) . إن الرب يحرر من الحياة المتعبة الملقاة على عاتق البشر على يد المعلّمين الكذبة . إن الرب يعطي راحة لضميرك, من ثقل الخطيّة والشعور بالذّنب . وهو يعطي أيضاً راحة من المخاوف والإهتمامات البشريّة اللانهائيّة المتنوّعة .
2) إرتباطنا في المسيح – " إحملوا نيري عليكم "
لقد سبق ورأينا أن النير هو نظير الصّليب . تشير هذه الدّعوة , أن أولئك الّذين جاؤوا الى المسيح , يستطيعوا السّير معه , أو مشاركته في طريقه , التمتّع بشركته والخضوع لمشيئته . إن حياة الشركة مع الرب هي أقصى ما يستطيع المؤمن إختباره والتمتّع به على هذه الأرض . إن الشركة المسيحية هي بركة عظيمة ولكن تلك التي مع المسيح أعظم بما لا يقاس !
3) تقديرنا للمسيح – " تعلّموا منّي ( وليس عني) "
إن تعلم المؤمن من المسيح أمراً يستمر طول الحياة , من خلال : دراسة الكتاب اليوميّة , الممارسة اليوميّة للصّلاة ,خدمة كلمة الله على يد آخرين . الفشل هنا يؤثّر على كل حياتنا المسيحيّة . كيف لنا أن نتذكّره حقيقة في عشاء الرب وأن نشهد له بفعّاليّة للكبار والصّغار إن لم نتعلّم منه بانتظام ؟
إن الربط بين هذه الوصية وحمل النير يشير الى أننا نتعلّم منه ما دمنا نسير معه .
4) تواضعنا أمام المسيح – " فتجدوا راحة " .
إن فكرة التواضع يشار إليها بكلمات تسبق هذا الوعد الثّاني بالرّاحة : " لأنّي وديع ومتواضع القلب . فتجدوا راحة " ( عد 29 ) . كلّما تعلّمنا منه كلّما أنتج هذا فينا شبهاً له , فيقودنا بدوره حتّى نكون ودعاء ومتواضعين مثله . النّتيجة لا بد وأن تكون دائماً ثابتة – الراحة لنفوسنا . هذه الراحة هي في القناعة الكاملة وهي من نصيب كل مؤمن ازال كل اثر لمصالحه الذاتيّة , كمتعمّقاً بالتواضع من خلال النمو نحو التشبّه بالمسيح . هذا المؤمن سعيد ( حقيقة) لأنّه وديع ومتواضع القلب . فهو لا يحارب لأجل حقوقه أو يطلب إعترافاً من احد . له فكر المسيح ويطلب مجده المسيح فقط .